للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[اللغة:]

تعوذ: قال: أعوذ بالله، أي ألجأ إليه، وأتحصن به، يقال: عذت به أعوذ عوذا وعياذا ومعاذا أي ألجأ إليه. والمعاذ: المصدر والزمان والمكان. وأشاح:

يقال: بمعنى حذر وبمعنى جد في الأمر: ويقال: أشاح وجهه وبوجهه وأشاح عنه وجهه إذا أعرض متكرها. والإتقاء: اتخاذ الوقاية مما يضر. وبعبارة أخصر: الحذر.

والشق: النصف أو الجانب.

[الشرح:]

ذكر النبي صلى الله عليه وسلم النار وسعيرها وشررها. وتمثلها أمامه كأنه يراها رأي العين لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ. لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ «١» ، فقال أعوذ بالله منها. وأتحصن به من شرها وهولها «٢» ، وأعرض بوجهه عنها متكرها لها كأن لفحها يكاد يصل إليه، فيحول عنها وجهه، ثم ذكرها مرة أخرى فصنع مثل ما صنع في الذكرى الأولى- وقد جزم شعبة أحد رواة الحديث ورجاله بهاتين المرتين، إما أن الرسول صلى الله عليه وسلم زاد عليهما فهذا ما لم يتيقنه شعبة- ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «اتقوا النار ولو بشق تمرة» . إلخ.

النار عذابها أليم وسعيرها عظيم وهولها شديد. والرسول صلى الله عليه وسلم بأمته رؤوف رحيم، حريص على سعادتها، ووقايتها مما يضرها، فكيف لا يرشدها إلى ما تتقي به النار، وتنأى به عن هول الجحيم؟ لقد بين أن الصدقات وقاية من النار فمن بذل المال في سبيل الله للفقراء والمساكين والغارمين والمجاهدين، والمصالح العامة كان ما بذل سورا منيعا، وحاجزا حصينا، يقيه لهيب الجحيم، وقليل المال- ممن لا يستطيع غيره إذا أعطاه بطيب نفس وإخلاص قلب- كثير عند الله فهو يربي التمرة الصغيرة بل شقها. حتى تكون كالجبال الشامخة، أثرها كبير وثوابها عظيم، فلا تحقر المعروف وإن قلّ، ولا تستقل الصدقة وإن كانت بشق من تمرة، أو مليّم من قرش، أو قطعة من رغيف، فربما سدت حاجة من جائع، بل ربما أنقذت نفسا أشرفت على الهلاك، وقد ذمّ الله من عاب جماعة بقلّة ما بذلوا وهو منتهي جهدهم وغاية وسعهم، فقال: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ يغتابون ويعيبون الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ


- ورواه مسلم في كتاب: الزكاة، باب: الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة ... (٢٣٤٦) .
(١) سورة التكاثر، الآيتان: ٥، ٦.
(٢) هولها: الهول: الفزع الشديد والخوف.

<<  <   >  >>