للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخطبة أو بلغه أمرها بدون الالتجاء إلى توبيخهم، وهذا من مكارم أخلاقه عليه الصلاة والسلام وحسن آدابه وجميل عشرته، ولقد قال تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ «١» ، وقال عليه الصلاة والسلام «أدبني ربي فأحسن تأديبي» .

وفي الحديث إشارة إلى أن الحنيفية «٢» السمحة لا تدعو إلى الرهبانية وحرمان النفس مما أحله الله، ولكن ترغب في الإفطار ليقوى المؤمن على الصيام، وفي النوم ليتقوى على القيام. وفي التزوج ليكسر شهوة نفسه ويعفها ويكثر النسل.

ومن رغب عن ذلك، فإن كان لنوع من التأويل والفهم لا يعدّ ذلك خروجا عن الملة ولا كفرا، ويكون معنى (فليس مني) أي ليس من طريقتي وإن كان إعراضا وتنطعا «٣» يفضي إلى اعتقاد صواب ما عمل ورجحانه كأن معنى (فليس مني) فليس على ملتي لأن اعتقاد ذلك كفر، وإن كان تورعا لشبهة في ذلك لم يكن ممنوعا ولا مكروها.

[ويؤخذ من هذا الحديث سوى ما تقدم:]

١- التنبيه على فضل النكاح والترغيب فيه.

٢- وعدم الغلو في الإنقطاع عن الملاذ وما أحله الشرع.

٣- فيه رد على منع استعمال المباحات والحلال من الأطعمة الطيبة والملابس اللينة وآثر عليها غليظ الطعام وخشن الثياب من الصوف وغيره قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ «٤» ، لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا «٥» .

والحق: العدل، والقصد في جميع الأمور، فإن ملازمة الطيبات تقضي إلى الترفه والبطر «٦» ، ولا يؤمن معها من الوقوع في الشبهات، كما أن منع النفس من


(١) سورة القلم، الآية: ٤.
(٢) الحنيفيّة: ملة الإسلام.
(٣) تنطّعا: تكلفا ومغالاة.
(٤) سورة الأعراف، الآية: ٣٢.
(٥) سورة المائدة، الآية: ٨٧.
(٦) البطر: بطر فلان: غلا في المدح والزهو، فهو بطر.

<<  <   >  >>