للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالله والإستنجاد به مما يزيد الإيمان قوة في النفس كما أن الجملة الآتية إرشاد لترك التمنيات الباطلة وترك الكلام الذي لا يجدي بل يقول حسنا ويفعل طيبا.

٥- نشرح لك الأمر الخامس بما قاله ابن القيم

في زاد المعاد قال: قوله لو كنت فعلت كذا وكذا لم يفتني ما فاتني أو لم أقع فيما وقعت فيه، كلام لا يجدي عليه فائدة البتة فإنه غير مستقبل لما استدبر من أمره وغير مستقيل عثرته بلو وفي ضمن (لو) ادّعاء أن الأمر لو كان كما قدره في نفسه لكان غير ما قضاه الله وقدره ومشيئته.

فإذا قال: لو أني فعلت كذا لكان خلاف ما وقع فهو محال إذ خلاف المقدّر المقضي محال فقد تضمن كلامه كذبا ومحالا وإن سلم من التكذيب بالقدر لم يسلم من معارضته بقوله: لو أني فعلت كذا لدفعت ما قدّر عليّ. فإن قيل ليس في هذا رد للقدر ولا جحد له إذ تلك الأسباب التي تمناها أيضا من القدر فهو يقول لو وفقت لهذا القدر لا ندفع به عني ذلك القدر فإن القدر يدفع بعضه ببعض كما يدفع قدر المرض بالدواء وقدر الذنوب بالتوبة وقدر العدو بالجهاد فكلاهما من القدر، قيل:

هذا حق ولكن هذا ينفع قبل وقوع القدر المكروه، وأما إذا وقع فلا سبيل إلى دفعه وإن كان له سبيل إلى دفعه بقدر آخر فهو أولى به من قوله لو كنت فعلته بل وظيفته في هذه الحالة أن يستقبل فعله الذي يدفع به أو يخفف ولا يتمنى ما لا مطمع في وقوعه فإنه عجز محض والله يلوم على العجز ويحب الكيس ويأمر به والكيس: هو مباشرة الأسباب التي ربط الله بها مسبباتها النافعة للعبد في معاشه ومعاده فهذه تفتح عمل الخير؛ وأما العجز فيفتح عمل الشيطان لأنه إذا عجز عما ينفعه وصار إلى الأماني الباطلة بقوله: لو كان كذا وكذا فتح عليه عمل الشيطان لأن بابه العجز والكسل.

وربما يشكل على هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ولولا أن معي الهدى لأحللت» ، رواه البخاري ومسلم «١» .

والجواب أن كراهة استعمال «لو» في التلهف والتحسر على أمور الدنيا إما طلبا وإما هربا لما في ذلك من عدم التوكل وأما إذا استعملت في تمني القربات كما في


(١) رواه البخاري في كتاب: التمني، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت» (٧٢٣٠) . ورواه مسلم في كتاب: الحج، باب: بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقرآن وجواز ... (٢٩٣٥) .

<<  <   >  >>