للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كالتمرة حلو الطعم لذيذه، وطيب الخلق جميله، صادق النية حسن الطوية، أما الرائحة فمفقودة، إذا لم يطيب بمسك القرآن، وإن غسل قلبه بمائه السلسبيل «١» ، ومثله في عمله الجليل.

وثالثهم- فاجر أو منافق:

ليس له من الإيمان إلا اسمه ولا من الدّين إلا رسمه يقرأ القرآن، وقد يجيد حفظه، ويتقن طرقه ويعرف قراءته وتوقيع ألفاظه ونغماته ولكن لا تجاوز التلاوة حنجرته، ولا تعدو ترقوته «٢» فإن بلوته تكشف لك عن قلب أسود، وفؤاد مظلم، وخلاق مر، وعمل ضر، وهذا مثله الرسول صلى الله عليه وسلم بالريحانه، وإن شممت فرائحة ذكية. وإن ذقت فمرارة لذعة، كذلك هذا يقرأ القرآن، فتستريح له النفوس كما تستريح للروائح العطرة، ولكن قلبه ونفسه منطويان على السوء، تذوق مرارته؛ وتحسن قذارته؛ إن عاشرته أو عاملته.

ومثل هذا لا أثر للقرآن في نفسه، لأن فجوره ونفاقه ختم على قلبه، فلا تؤثر فيه نصيحة ولا تنجح معه موعظة.

ورابعهم- منافق أو فاجر:

لا صلة له بالقرآن، لا علما ولا عملا؛ ولا تلاوة ولا حفظا، وهذا شبهه الرسول صلى الله عليه وسلم بالحنظلة، لا ريح لها وطعمها مر بشع، كذلك هذا، يحمل نفسا خلقت من الفجور، ونبتت في النفاق، إن تذوّقها الناس آذت ألسنتهم ودنست نفوسهم؛ ولا يشم منه خير؛ إذ حرم من طيب الطيوب، وعطر العطور:

كتاب الله؛ جلاء العيون. وشرح الصدور. وحياة النفوس؛ وطب القلوب. وشنف «٣» الآذان وسراج الألباب.

تلك هي الأصناف الأربعة. التي تعرض لها الرسول صلى الله عليه وسلم بالبيان والتمثيل. فيا ترى في أيها وضعت نفسك؟ ظني أن تكون المؤمن المخلص. والقارىء المتدبر.

والعامل الورع.


(١) السّلسبيل: الشراب السهل المرور في الحلق لعذوبته واسم عين في الجنة.
(٢) ترقوته: التّرقوة: عظّمة مشرفة بين ثغرة النحر والعاتق، وهما ترقوتان، الجمع تراق.
(٣) الشّنف: ما يعلق في أعلى الأذن من حلي.

<<  <   >  >>