للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مستحقها، اقترن ذلك بسعي أم لا. والتدابر: فسّر بالتهاجر؛ وبالتعادي؛ وبالإعراض وهي معان متقاربة، وأصله إعطاء كل دبره للآخر إعراضا. والحقر: الاحتقار أي الاستصغار والاستقلال. وبحسب امرىء: أي كفايته أو كافيه، والباء زائدة.

والعرض: موضع المدح أو الذم من الإنسان سواء كان في نفسه، أو في سلفه، أو من يلزمه أمره. وقيل: هو جانبه الذي يصونه من نفسه وحسبه، ويحامي عنه أن ينتقص ويسلب. والتقوى: الوقاية والصيانة مما يضر وذلك بفعل الأوامر، وترك النواهي.

[الشرح:]

في الحديث نهي عن ستة أشياء، وأمر بالأخوة، وبيان لما تقتضيه.

ولما حرم من المسلم على المسلم، ولما ينظر إليه الرب من المرء وهاك البيان:

١- إياكم والظن:

الظن هنا التهمة التي لا سبب لها، كمن يتهم رجلا بالفاحشة من غير أن يظهر عليه أثرها. فهذا ظن سوء لا مبرر له. وهو الذي نهى الله عنه بقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ «١» ، ولا يدخل في الظن المحرم الظن بمن أورد نفسه موارد الريب جهرة، ولا الظن في الأمور المعاشية، ولا حسن الظن بالله تعالى، ويدخل فيه الظن في الإلهيات والنبوّات فإنه محرم، والواجب فيها اليقين.

وقد استدل بالحديث على منع العمل في الأعمال بالاجتهاد والرأى لأنه عمل بالظن ولكن أجيب عن هذا بأن الظن المحرم ظن مجرد عن الدليل، ليس مبنيا على أصل، ولا تحقيق نظر.

وقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم الظن بأنه أكذب الحديث. واستشكل ذلك من جهتين:

الأولى: أن الظن ليس من قبيل الحديث حتى يكون أكذبه، بل هو عمل نفسي.

والثانية: أن تعمد الكذب الذي لا يستند إلي ظن أصلا أشد من الأمر الذي يستند إلى الظن، فكيف يكون الظن أكذب الحديث؟ والجواب عن الأولى أن الظن حديث نفسي. فيوصف بالكذب إذا لم يطابق الواقع أو أن المراد بالظن ما ينشأ عنه من الكلام.

والجواب عن الثانية: أن وصفه بذلك للإشارة إلى أن المراد به ظن لا يعتمد


(١) سورة الحجرات، الآية: ١٢.

<<  <   >  >>