للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صلاة، وشأن المسلم الجد والعمل لا الضعف والكسل، والمساجد ليست بيوتا للسكنى ولكن للذكر والعبادة في أوقاتها.

فسأله عما أقعده في المسجد، فأجابه بأن ديونا لزمته، وهموما أحاطت به جعلته يترك الناس ويأتي المسجد في غير وقت صلاة، فعرض عليه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعلمه كلمات إذا قالها في الصباح وفي المساء زالت همومه وأحزانه، وقضيت ديونه التي شغله التفكير فيها فنغص «١» عيشه وأقض «٢»

مضجعه وأذهب عن نفسه انشراحها وسرورها فقال: يا رسول الله أحب أن تعلمني هذه الكلمات فعلمه الرسول أن يتعوذ بالله من ثمانية أمور:

أولها وثانيها- الهم والحزن:

أما الهم والقلق فإنه يكون في الأمور المهمة المقبلة التي يرجو الإنسان حصولها أو يخاف شر وقوعها كطالب في مدرسة شغل الهم قلبه وملك منافذه بسبب إقباله على امتحان ينال به الإجازة، فتراه في شغل دائم وتفكير مستمر في صعوبة الامتحان وأحوال الناجحين والراسبين. وما يؤول إليه أمره لو قدر له الرسول، أو بماذا يشتغل لو كان من الفائزين، وهكذا يضيع وقته في غير فائدة بدلا من أن يجدّ في دروسه ويحصل علومه ويستعد لما هو مقدم عليه ويدع النتائج لله وحده وهو معتقد أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

وكصاحب خصومة مطروح أمرها أمام القضاء تراه مهموما من نتيجتها يخاف أن يحكم عليه فيها لخصمه فيطلق للتفكير العنان، ولا يكتم اضطرابه وقلقه عن الناس ويقصر فيما يجب عليه ويتقاعد عن العمل الذي يقيه شر القضاء، وكان أولى به أن يفكر في توكيل من يحسن الدفاع عنه بالحق والمحافظة عليه وإعداد البراهين والبينات التي تغلب حقه على باطل خصمه، كما يعد العدة حتى إذا حكم عليه ما يخفف وقعه ويذيب ألمه، لا أن يترك لخصمه كل فرصة يتمكن بها منه ويحوك له الحبائل «٣»

والمكائد «٤»

للإيقاع به لأن ذلك ليس من شأن المسلم، وقل مثل ذلك في سائر الناس الذين لهم آمال شغلوا بالكلام فيها والتحدث عنها عن العمل لنيلها والجد في سبيلها


(١) فنغص: كدّ عيشه.
(٢) أقضّ: لم ينم ولم يطمئن به النوم.
(٣) الحبائل: المصائب.
(٤) المكائد: المكيدة: الخديعة.

<<  <   >  >>