يمشي، فاشتدّ عليه العطش، فنزل بئرا، فشرب منها، ثمّ خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثّرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفّه، ثمّ أمسكه بفيه، ثمّ رقي، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له» . قالوا: يا رسول الله وإنّ لنا في البهائم أجرا؟ قال:«في كلّ كبد رطبة أجر» . [رواه البخاري ومسلم «١» ] .
[اللغة:]
بينا: هي بين أشبعت فتحتها فصارت ألفا؛ وكذلك بينما هي بين زيدت عليها ما. وهي ظرف بمعنى وسط. اللهث: ارتفاع النفس من الإعياء والتعب؛ وفي الحيوان خاصة إخراجه اللسان من شدة العطش والحر. لهث الكلب وغيره يلهث لهثا. والثرى: التراب الندي؛ والخف: ما يلبس في الرّجل. ورقى يرقى: صعد.
والكبد: عضو في الجنب الأيمن يفرز الصفراء ويقال: للجوف كله. والمراد برطوبة الكبد حياته.
[الشرح:]
يقص علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة رجل مؤمن كان يمشي بطريق أو بادية فعطش عطشا شديدا فنزل بئرا شرب منها حتى روي، ثم خرج منها فإذا به يجد كلبا قد أخرج لسانه من شدة الظمأ يلحس به الأرض الندية لعلّ في رطوبتها ما يقلّل من حرارة العطش.
فقال في نفسه أو بلسانه: لقد بلغ هذا الحيوان الدرجة التي بلغتها في العطش، وآلمه منه ما آلمني، فنزل إلي البئر ثانية وملأ خفه بالماء، وأمسكه بفمه لتخلص له يداه ويمسك بهما في جدارن البئر عند الصعود ثم صعد فسقى الكلب من خفه.
فشكر الله هذا الصنيع. وما شكره إلا عفوه عن ذنوبه السالفة. بل من شكره المنّ بنعمه على المحسنين من عباده.
فسأل الحاضرون رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لنا في البهائم إذا دفعنا عنها الأذى.
وأحسنّا إليها أجر وثواب؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«في كل كبد رطبة أجر» ، وهذه الجملة تعم كل حيوان من كلب أو قط أو جمل أو بقرة أو شاة ... إلخ، وتشمل دفع أنواع
(١) رواه البخاري في كتاب: الشرب والمساقاة، باب: فضل سقي الماء (٢٣٦٣) . ورواه مسلم في كتاب: السلام، باب: فضل ساقي البهائم المحترمة وإطعامها (٥٨٢٠) .