للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك. بل العلة هنا أشد تحققا. فإن انفراد جمع بالمناجاة من دون واحد أشد إيغار لصدره. وبدل أن يكون النفور من شخصين يكون من أكثر. فالأثر أفحش. فكان بالمنع أجدر وكأن الحكمة في تخصيص الثلاثة بالذكر أنها أول عدد يتصور فيه المعنى. فما كان مثله في تحقيق العلة ألحق به، وإن كان المجلس مؤلفا من أربعة فأكثر. وكان الباقي بعد من يتناجي اثنين فأزيد جازت النجوى. إذ يمكن الباقين التانس والتناجي. ويدل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «حتى تختلطوا بالناس» ، وعمل ابن عمر راوي الحديث. فإنه كان إذا أراد أن يسار رجلا وكانوا ثلاثة دعا رابعا. وقال للاثنين. استريحا شيئا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا ... » إلخ. ويؤيده أيضا ما رواه البخاري عن عبد الله قال: قسم النبي صلى الله عليه وسلم يوما قسمة. فقال رجل من الأنصار.

إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله. قلت: أما والله لآتين النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته وهو في ملأ، فساررته، فغضب حتى احمر وجهه، ثم قال: «رحمة الله على موسى أوذي بأكثر من هذا فصبر» «١» . نعم لو كان الباقون تحزنهم المناجاة تركت لوقت آخر. ما لم تكن في أمر مهم لا خطر فيه، ولو تسارا الحديث اثنان. فقدم عليهما ثالث. أو كان بحضرتهما ثالث لا يسمع جهرهما لا يقرب منهما ليتسمع حديثهما إلا بإذنهما.

روى البخاري في (الأدب المفرد) عن سعيد المقبري قال: مررت على ابن عمر ومعه رجل يتحدث. فقمت إليهما. فلطم صدري. وقال: إذا وجدت اثنين يتحدثان فلا تقم معهما حتى تستأذنهما. وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، والنهي في رواية «يتناج» يدل على التحريم. ما لم يكن رضا من المنفرد، وآية الرضا إذنه بالتناجي، والنفي في الرواية الآخرى بمعنى النهي.

٦٩- باب: الاحتراس من النار وتغطية الآنية

عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اطفئوا المصابيح باللّيل إذا رقدتم، وأغلقوا الأبواب وأوكئوا الأسقية، وخمّروا الطّعام والشراب» ، وفي رواية زيادة: «واكفتوا صبيانكم عند المساء فإنّ للجنّ انتشارا وخطفة» .


(١) رواه البخاري في كتاب: الأدب، باب: الصبر في الأذى (٦١٠٠) .

<<  <   >  >>