للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٦٢- باب: مفاسد من حرموا الحياء

عن أبي مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ ممّا أدرك النّاس من كلام النّبوّة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت» . [رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه «١» ] .

[اللغة:]

النبوة: سفارة بين الله وبين ذوي العقول من عباده لإزاحة علتهم في أمر معادهم ومعاشهم. وحيي، واستحي واستحيا بمعنى واحد، والأخير أعلى وأكثر وقد قدمنا في الحديث السابق شرح الحياء.

[الشرح:]

من يوم أن خلق الله الإنسان وجدّ النزاع «٢» بين بنيه بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتاب بالحق، فكان فيه الحكم البالغة، والنصائح القيّمة، وكان منها ما سار في الناس مسير الأمثال، فبقي على ممر الحقوب «٣» والأجيال، ومن ذلك «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» ، أي إذا لم يكن لدى المرء حياء يحول بينه وبين الشرور، ويجنبه غشيان الزور، فليفعل ما بدا له من خير أو شر، حق أو باطل، طيب أو خبيث، معروف أو منكر يجرّ إليه الذم والملام، والعيب والعار، أم لا يجر، فإن الله تعالى محص عليه ما يصنع، مقيد ما يعمل، وسيجزيه الجزاء العادل على ما كسبت يداه، فالأمر في العبارة للتوبيخ والتهديد، وفيه إشعار بأن الحياء هو الذي يحول بين المرء ومواقعة السوء «٤» . وأن من حرمه هوى في بؤرة الفساد لا محالة، حتى كأنه مأمور بارتكاب كل ضلالة، ومقارفة كل سيئة، وقيل: إن الأمر هنا للإباحة، وأن معنى العبارة: إذا كنت في فعلك آمنا من أن تستحي منه لجريانك فيه على سنن الصواب فاصنع ما بدا لك. لا حرج فيه عليك، والمعنى الأول هو المتبادر إلى الفهم.


(١) رواه البخاري في كتاب: الأدب، باب: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت (٦١٢٠) . ورواه أبو داود في كتاب: الأدب، باب: في الحياء (٤٧٩٧) . ورواه ابن ماجه في كتاب: الزهد، باب: الحياء (٤١٨٣) .
(٢) جد النزاع: عظم.
(٣) الحقوب: جمع حقبة، مدة غير محددة.
(٤) مواقعة السوء: الاقتراب منه واقترافه.

<<  <   >  >>