للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حق الحياء» ، قلنا: إنا نستحي من الله يا رسول الله، والحمد لله، قال: «ليس ذلك.

ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى- كالسمع والبصر واللسان- والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا- لم يفتتن بها حتى تشغله عن الواجبات- وآثر الآخرة على الأولى، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء» ، وعن بعض السلف. رأيت المعاصي مذلة فتركتها مروءة. فصارت ديانة، وقد يتولد الحياء من الله تعالى من التقلب في نعمه.

فيستحي العاقل أو يستعين بها على معصية.

وليس من أثر الحياء قعودك عن مواجهة من يرتكب إثما، ونهيه عن ذنبه، ولا عدم مطالبتك بحق أنت في حاجة إليه. ولا تركك السؤال لأستاذك عن مسألة خفيت عليك، أو ترى فيها غير ما يرى، خجلا منه أو من إخوانك أو خشية أن تكون مخطئا في رأيك، ولا تركك القول في مجلس رفع الباطل فيه أو الخطأ رأسه. وأنت بالحق والصواب عليم كل ذلك وأشباهه ليس من أثر الحياء المحمود؛ إنما ذلك أثر العجز والمهانة، والجبن والحقارة، وإطلاق الحياء عليه للشبه بينه وبين الحياء الحقيقي.

ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أشد حياء من الكبر في خدرها «١» ، وما ترك النهي عن المنكر، ولا أقر باطلا، ولا سكت على خطأ، وفي الصحيح عن عائشة قالت: رحم الله نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يسألن عن أمر دينهن، وأن يتفقهن في الدين. وروى البخاري عن أم سلمة أنها قالت: جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق؛ فهل على المرأة غسل إذا احتلمت؟ فقال: «نعم إذا رأت الماء» «٢» .

وروي أيضا عن أنس قال: «جاءت امرأة إلي النبي صلى الله عليه وسلم تعرض عليه نفسها؛ فقالت: هل لك حاجة فيّ؟ (تريد الزواج به) فقالت ابنته: ما أقل حياءها فقال: «هي خير منك. عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسها» «٣» .


(١) رواه البخاري في كتاب: الأدب، باب: الحياء (٦١١٩) .
(٢) رواه البخاري في كتاب: الأدب، باب: ما لا يستحيا من الحق للتفقه في الدين (٦١٢١) .
(٣) رواه البخاري في كتاب: الأدب، باب: ما لا يستحيا من الحق للتفقه في الدين (٦١٢٣) .

<<  <   >  >>