للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١٢- باب: فضل الكسب باليد

عن المقدام رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما أكل أحد طعاما قطّ خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإنّ نبيّ الله داود عليه السّلام كان يأكل من عمل يده» . [رواه البخاري وأبو داود والنسائي «١» وغيرهم] .

طرق المال كثيرة كالوراثة والهبة والصدقة؛ وكالاشتغال في عمل حكومي يتقاضى في نظيره أجرا؛ وكالتجارة والزراعة والصناعة، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن خير طعام يأكله المرء ما كان من عمل يده، فالذي يشتغل بيده، ويكدح ببدنه ويستجدي الرزق من عرق جبينه ويأكل من إنتاجه خير ممن يأكل من تركة موروثة، أو هبة مبذولة، أو صدقة تعطى له عفوا أو إستجداء ذلك أن ما كسبه الإنسان بكدحه وكده يفيد جسمه نشاطا ويكسبه صحة، ويزيده قوة فإذا ما أكل أكل هنيئا؛ وهضم سريعا، فاستفاد وقويت النية، ولا كذلك الكسل الخمول الذي يعتمد على مال وقع في يده عفوا، ويعطل أعضاءه عن العمل والحركة، ويمكث طوال يومه على مقهى أو مسطبة، فيأكل من غير شهية إذا لم يهضم الطعام السابق فيزداد خمولا إلى خمولاه وتعتل الصحة، فلا يجد حلاوة لطعام أو شراب، أضف إلى ذلك أن المال الناتج من الكد أغلى قيمة عند صاحبه مما جاءه عفوا، ولذلك تجده أحرص عليه مما سبق إليه، وإنه ليشعر بلذة كبيرة ساعة ينتفع به، وهل ترى تناول الثمرة من يد البائع كتناولها بيدك من الشجرة؟ وإلى ذلك أيضا أن الثروة المسوقة إن ضاعت قلما تجد لها عوضا، أما الثروة الكسبية فقلما تضيع، وإن ضاعت فمنبعها قائم وهو اليد العاملة.

ولقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده إذ كان يصنع الدروع الحربية، ولا أحدثك عن داود وملكه إذ سخر الله له الجبال والطير والحديد وآتاه السلطان مكافأة له على شجاعته الحربية لما قتل جالوت وفيه يقول الله:

يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ «٢» فمع هذا الملك والسيطرة، وما تبعهما من الغنى والثروة لم يستنكف من العمل بيده ليشجع العمال على المضي في


(١) رواه البخاري في كتاب: البيوع، باب: كسب الرجل وعمله بيده (٢٠٧٢) .
(٢) سورة ص، الآية: ٢٦.

<<  <   >  >>