الحمد لله الذي بعث في الأميين رسولا منهم، يتلو عليهم آياته؛ ويزكيهم؛ ويعلمهم الكتاب والحكمة؛ ويهداهم إلى المحجة؛ ويبصرهم مواطن الحجة؛ أرسله على حين فترة من الرسل؛ وحاجة من البشر؛ فأهاب بالعقول من سباتها وأخذ بالنفوس عن غيها؛ وعرض على الأنظار خيالة- سينما- تمثلت فيها آي الكون الصامتة؛ وشنف الآذان باي الله الناطقة؛ وأثلج الصدور بحكمه البالغة؛ وأفاض على القلوب من عظاته المؤثرة؛ فكان مصدر خير ومبعث نور؛ وشمس هداية؛ أضاءت للعالم سبل المصالح؛ وهدتهم خطط العمل الناجح؛ فكانوا بإرشاده أمة؛ وبنوا من آدابه دولة؛ كان لها شأن في العصور السالفة؛ كما نرجو لها في الأيام القابلة؛ فصلوات الله وسلامه عليه؛ ورحمته وبركاته إليه؛ وعلى آله الطيبين وصحبه المخلصين ومن قفا أثرهم؛ واختط سبيلهم.
وبعد: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدبه العليم الحكيم، بما أنزل عليه من آي الكتاب المبين؛ فكان تكوينه خير تكوين، وتثقيفه أول تثقيف؛ فصدرت منه آيات بينات؛ وحكم خالدات؛ وعبارات في الأدب غاية؛ وفي البدع نهاية؛ كان لها شأو بعيد؛ وأثر حميد؛ في تربية النفوس وإصلاحها؛ وتقويم الأخلاق وتهذيبها؛ وقد تولى الفضلاء السابقون كلمه صلى الله عليه وسلم بالشرح والبيان؛ والاستنباط والاستنتاج؛ ولكن أدخلوا في طي ذلك ضروبا من الإعراب، وشتيتا من الروايات؛ وخليطا من الاستطراد؛ وكانوا يكتبون بلغة عصرهم، وروح وقتهم؛ ويمثلون من مشهودهم؛ فكان في ذلك إملال على القارىء؛ وإبعاد عن عصره الحاضر؛ خصوصا إذا لم يضرب في النحو بسهم غائر؛ ولم يكن له من فن الرواية حظ وافر؛ فأردت- ألهمني الله وإياك سبيل السداد-