للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١١٣- باب: الاستقراض وحسن القضاء

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رجلا أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم يتقاضاه فأغلظ، فهمّ به أصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوه فإنّ لصاحب الحقّ مقالا» ، ثمّ قال «أعطوه سنا مثل سنّة» قالوا يا رسول الله لا نجد إلّا أمثل من سنّه، فقال:

«أعطوه، فإنّ خيركم أحسنكم قضاءّ» . [رواه البخاري ومسلم «١» بألفاظ مختلفة] .

[اللغة:]

يتقاضاه: يطلب منه قضاء الدين. أغلظ: شدد في المطالبة. فهم به أصحابه: أراد أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أن يؤذوه مقالا: صولة في الطلب وقوة الحجة.

سنا مثل سنّة: جملا سنه مثل الذي له. أمثل: أفضل وأحسن.

[الشرح:]

اقترض الرسول صلى الله عليه وسلم من أعرابي بعيرا، فلما حل أجل الأداء جاء الأعرابي ليستوفي ماله، ولكنه لم يجمل في الطلب ولم يحسن، بل شدد في المطالبة على عادة الأعراب من الجفوة؛ فأساء ذلك بعض الصحابة الذين حضروا المطالبة وأرادوا أن يؤذو الأعرابي لسوء أدبه مع الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنهم لم يفعلوا أدبا مع النبي صلى الله عليه وسلم.

فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: دعوه ولا تأخذوا عليه القول حتى يبين حقه ويطلب ماله، فإن صاحب الحق ذو صولة «٢» وقوة وبيان، فإذا حيل بينه وبين المطالبة به ضاع حقه، وعدّ كاذبا أو محتالا، ولا شك أن هذا من حسن أخلاق المصطفى عليه الصلاة والسلام، فكأنه يبدي عذر الأعرابي في تشديده في الطلب، ويكف عنه عاديه الصحابة، ويكبح من غيظهم، الذي أثاره جفاء ذلك الأعرابي وغلظته، ويسري عنه ما يعتريه من الخوف والفزع لإرادتهم الإيقاع به.

ثم أمر بأن يشتري له بعيرا يقضي به حقه فقالوا لم نجد إلا أفضل من الذي


(١) رواه البخاري في كتاب الاستعراض باب: الاستقراض الإبل (٢٣٩٠) . ورواه مسلم في كتاب المساقاة باب: من استسلق شيئا فقضى خيرا منه (٤٠٨٦) .
(٢) صولة: يقال هو ذو صولة: مقدام.

<<  <   >  >>