للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الشرح:]

قد يتصدق إنسان ليقال: إنه محسن، أو ليحظى بمكانه عند مليك أو وزيرا أو مديرا؛ أو ليكسب خدمة ممن تصدق عليه؛ وقد تصدق آخر ليكف يدا عن السؤال؛ أو ليحفظ على بائس عفته وحياءه؛ أو لمجرد الامتثال لأمر الله بالإنفاق؛ أو لابتغاء ثوابه ورضوانه؛ فالعمل من الشخصين واحد وهو التصدق ولكن اختلفت درجته باختلاف النية الباعثة عليه فهو من الأول في درجة دنيا لأنه قصد به منفعة دنيوية شخصية لولاها لما تصدق فباعث الخير الحقيقي لم يتوطن نفسه؛ ومن الثاني في درجة عليا للباعث الطيب الذي ملأ قلبه وهو محبة الخير للناس؛ وحفظ الكرامة عليهم؛ والامتثال لأمر الله؛ وابتغاء مرضاته، مثل هذا يرجى منه خير كبير؛ ويرجى منه متابعة المعروف فهو مورد دائم لذوي الحاجات؛ وفي مثل هذا يقول الله:

وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ بستان بمكان عال أَصابَها وابِلٌ مطر غزير فَآتَتْ أُكُلَها ثمرها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ مطر قليل وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ «١» .

أمّا الأول: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ «٢» حجر أملس عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً أملس لا نبات عليه. فالثاني: عمله مثمر؛ والأول غير مثمر. شخص يصلي ليرائي الناس فيسموه بالصلاح؛ أو يكلوا إليه عملا ماليا يطلق فيه يده بالاختلاس؛ وآخر يصلي قياما بالواجب؛ وتطهيرا لنفسه؛ وإرضاء لربه؛ أصلاتهما بدرجة واحدة؟ لا.

كاتب أو شاعر أو خطيب يدعو إلى مصلحة عامة؛ والباعث له وظيفة يرجوها أو حظوة «٣» عند ذي سلطان؛ أتكون درجته كاخر يدعو إلى ذلك لأن فيه خير الأمة؛ ولأن هذا بوحي قلبه المخلص لبلده؟ لا يستويان. فإن الأول إذا لم يصل لبغيته حطم قلمه؛ أمّا الثاني: فإنه دائب الدعوة، ولو لاقى في سبيل ذلك الصعاب؛ وقل مثل ذلك في سائر الأعمال؛ وبهذا عرفت أن معنى الجملة الأولى: الأعمال تابعة للنيات مقدّرة بها؛ وموزونة بميزانها؛ فدرجة كل عمل من درجة النية الباعثة عليه؛ فإن كانت


(١) سورة البقرة، الآية: ٢٦٥.
(٢) سورة البقرة، الآية: ٢٦٤.
(٣) حظوة: مكانة ومنزلة.

<<  <   >  >>