للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقتصر ثوابه على ما يقدمه قبل وفاته من صدقته بل أنه يثاب أيضا على أن يجعل أولاده في غنى عن سؤال الناس بما يقيهم عوز «١» الدهر ويدفع عنهم غائلة «٢» الأيام وبؤس الفقر وذله، بل ليس ذلك فقط هو الذي يؤجر عليه المؤمن، فإن أقل الحظوظ الدنيوية إذا قصد به وجه الله كان طاعة يثاب عليها كما يشير إلى ذلك قوله: «حتى ما تجعله في فيّ امرأتك» .

فانظر كيف أن البر الرحيم ذا الفضل العظيم يرضى من المسلم ببعض ماله ويجزيه عليه متى كان خالصا له وحده لا رياء فيه ولا نفاق، ويفيض عليه من رحمته على أدنى الخيرات يأتيها.

وقد عبر الرسول بقوله: «ورثتك» ليكون الجواب كليا مطابقا لكل حال يموت عليها سعد، سواء أورثه ابنته وحدها أم مع غيرها أم ورثه غيرها، ولم يخص ابنته دون سواها ليشمل جميع الورثة وأنه مطالب بأن يغنيهم بما يقيهم ذل السؤال.

وهناك لطيفة في نهاية الحديث. تلك هي قوله: «وإنك لن تنفق» ... إلخ، فإن سؤال سعد رضي الله عنه يشعر بأنه رغب تكثير الأجر فلما منعه الرسول صلى الله عليه وسلم من الزيادة عن الثلث قال له على سبيل التسلية والترضية إن جميع ما تفعله في مالك من صدقة ناجزة ومن نفقة ولو كانت واجبة تؤجر عليها ابتغيت بذلك وجه الله تعالى.

[هذا ويؤخذ من الحديث سوى ما تقدم:]

١- أن الوصية لا تجوز بأزيد من الثلث إن كان هناك وارث. وقد اختلف فيمن ليس له وارث، فذهب جمهور الأئمة إلى منعه من الزيادة عليه، وقال الحنفية يجوز الزيادة إذ ذاك مستدلين بأن الوصية في الآية مطلقة مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ «٣» ، فقيدتها السنة بمن له وارث فبقي من لا وارث له على اطلاقه.

وبهذا الحديث أيضا لأن من لا وارث له لا يترك من يخشى عليه الفقر.

٢- أن السنة تقيد القرآن كما تقدم.


(١) عوز: العوز: الحاجة واختلال الحال.
(٢) غائلة: الفساد والشر.
(٣) سورة النساء، الآية: ١٢.

<<  <   >  >>