للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالكرامة ويريق ماء الحياة ويضيع المروءة وما أحوجنا إلى ابتغاء العزة، والمحافظة على الشمم «١» والإباء، ولا يكون ذلك إلا بتمسكنا باداب ديننا والعمل بها وخاصة في هذه الأيام التي قلّ المعين والمناصر وكثر العدو وأحكم فينا حبائله وأعمل في هدم كيان وحدتنا وديننا وكل عزيز علينا جهده ومكايده ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

١٠٦- باب: الحلف بغير الله

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم سمع عمر بن الخطّاب وهو يحلف بأبيه فقال: «إنّ الله ينهاكم أن تحلفوا بابائكم من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت» . [رواه البخاري] «٢» .

[الشرح:]

قد يلقي إنسان لآخر قولا أو يذكر له خبرا فلا يصدقه السامع، إما لمخالفته لما يعلمه من موضوع الحديث، أو لغرابته عنده، أو لغيره، ذلك من البواعث التي تحول دون وقوع ذلك الخبر موقع القبول، أو يصدقه، ولكن يحتاج من القائل إلى ما يؤكده ويزيده ثبوتا وتحققا، فيضطر المتكلم إلى أن يؤكد قوله ويوثق خبره بأنواع المؤكدات، ومنها اليمين.

فالحلف على الشيء يفيد توكيد المحلوف عليه باقترانه بما يعظم عند السامع والمتكلم. وفي هذا الحديث يعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم بمن نحلف ونؤكد أقوالنا إذا أردنا الحلف، ومن نعظّم، ويبين لنا أن نحلف بالله ولا نحلف بابائنا، لأن التعظيم الحقيقي لا يكون إلا له سبحانه وتعالى وهو الجدير بالإجلال والإكبار.

ولما كان النهي يقتضي الحرمة. فقد أفاد الحديث حرمة الحلف بالآباء وبكل ما سوى الله من نبي أو ولي وتخصيص الحلف بالله خاصة، ولكن اتّفق العلماء على أن اليمين تنعقد بالله وذاته وصفاته العلية.

والمشهور من مذهب المالكية أن النهي عن الحلف بالآباء للكراهة لا للتحريم،


(١) الشّمم: الارتفاع.
(٢) رواه البخاري في كتاب: الأيمان والنذور، باب: لا تحلفوا بابائكم (٦٦٤٦) . ورواه مسلم في كتاب: الأيمان، باب: النهي عن الحلف بغير الله تعالى (٤٢٣٣) .

<<  <   >  >>