للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بل لا يراح «١» رائحتها العبقة الذائعة المنتشرة؛ إنما مأواه النار: وما للظالمين من أنصار. وإن هذا لوعيد شديد، وعذاب أليم. وإنه للحق. والإنصاف والعدل فإن من غش الآلاف أو الملايين، وسامهم الهوان «٢» والذل عشرات السنين. وحرمهم لذة الحياة ليستحق النكال أضعافا مضاعفة وما ربك بظلام للعبيد (انظر الحديث ٢١) .

٧٨- باب: اللدد في الخصومة

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ أبغض الرّجال إلى الله الألدّ الخصم» . [أخرجه البخاري ومسلم «٣» ] .

[اللغة:]

الألد: الأكثر لددا. واللدد: الخصومة الشديدة. مأخوذ من لديدي الوادي أي جانبيه، والخصم: الشديد المنازعة الذي يحج مخاصمه ويغلبه.

[الشرح:]

بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن أبعد الناس من رحمة الله ومحبته ومودته ومعونته.

بل أحقهم بغضبه ولعنته، وعذابه وعقوبته، الذي يشتد في خصومته. ويجادل حتى يجدل خصمه.

والحديث بإطلاقه يشمل من يجادل لاستيفاء حق. ولكن ذلك لا يدخل فيه فإن لصاحب الحق مقالا. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما المراد به من يخاصم في باطل. أو يجادل بغير علم. كالمحامين الذين لم يدرسو القضية أو درسوها وعرفوا باطلها، ودافعوا فيها، وكالجدليين الذين يحامون عن الآراء الباطلة، والعقائد الزائغة، حتى يضل بهم العامة، أو ذوو العقول الصغيرة، سواء كان ذلك بالتأليف. أو بالحديث في المجالس. ويدخل في الذم من يخاصم في الحق، ويتجاوز في الخصومة قدر الحاجة: فيسب ويكذب لإيذاء خصمه. أو يخاصمه عنادا ليقهره ويذله. وفي الدفاع بالباطل جاء قوله تعالى: وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ


(١) يراح: يشم.
(٢) الهوان: الذل.
(٣) رواه البخاري في كتاب: الأحكام، باب: الألد الخصم (٧١٨٨) . ورواه مسلم في كتاب: العلم، باب: في الألد الخصم (٦٧٢٢) .

<<  <   >  >>