للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جبل، أو يتناول سمّا، أو يبقر بطنه بمدية «١» أو خنجر؛ أو يطلق على رأسه الرصاص، أو يرمي بنفسه تحت قطار فلا يظن أنه بذلك قد نجا وتخلص من العذاب بل تعرض لعذاب طويل الأمد، شديد الألم بما قتل به نفسه في الدنيا، فلا هو أبقى على حياته ولا هو بالناجي يوم القيامة من عذاب الله.

فالحازم المفكر، والبصير المتدبر لا يستسلم لليأس؛ ولا يقنط من رحمة الله ولا يلجأ إلى مثل هذه النقائص، بل يثابر ويصبر ويكل إلى الله تصريف الأمور فالمريض يشفي.

ومن رسب في الامتحان هذا العام فقد ينجح في العام القابل، ومن نزلت به كارثة في صحته أو ماله فإن الله قادر على أن يزيلها ويعوضه خيرا منها.

١٢٤- باب: النهي عن سب الدهر

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى:

يسبّ بنو آدم الدّهر وأنا الدّهر بيدي اللّيل والنّهار» . [رواه البخاري] «٢» .

[الشرح:]

تنزل بالمرء حوادث، وتحل به كوارث. وتجري تصاريف القدر على غير ما يرغب؛ فيشتد همه؛ وتصبح الدنيا في وجهه أضيق من كفة الحابل «٣» فيسخط ويتبرم ويضطرب حتى يخرج عن جادة العقلاء، ويحيد عن سبيل الحازمين الحكماء، كأنما أخذ على الأيام عهدا ألا تجري ريحها له إلا رخاء حيث أصاب، وعقد بينه وبينها ميثاقا، أن تكون على ما يهوى في جميع الأوقات والأزمان.

فإذا لم تكن على ما يشتهي، وسب الزمان وتصاريفه. ولعن الأيام وما أحدثت وما درى أن الأيام مسخرة ممن بيده تقليب الليل والنهار وأنها تسير بقدر معلوم ليس له فيه اختيار.


(١) بمدية: المدية: الشفرة الكبيرة.
(٢) رواه البخاري في كتاب: الأدب، باب: لا تسبوا الدهر (٦١٨١) . ورواه مسلم في كتاب: الألفاظ من الأدب، باب: النهي عن سب الدهر (٥٨٢٣) .
(٣) الحابل: الصائد بالحبلة.

<<  <   >  >>