للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥٢- باب: مداراة الأشرار

عن عائشة أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ شرّ النّاس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه أو ودعه النّاس اتّقاء شرّه» . [رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي «١» ] .

[اللغة:]

ودعه: تركه، وقد ذكر بعض النحاة أن العرب أماتوا مصدر يدع وماضيه، وقد جاء الماضي في هذا الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن شكلا لا جزما وجاء المصدر في قوله صلى الله عليه وسلم: «لينتهين أقوام عن ودعهم الجماعات» ، والصحيح أن ذلك جائز ولكنه استعمال نادر.

[الشرح:]

الناس في الآخرة منازل. كما كانت أعمالهم في الدّنيا منازل وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا «٢» ، فأحسن الناس عملا أعلاهم درجة وأرفعهم منزلة.

وأسوؤهم عملا أدناهم درجة، وأحطّهم «٣» منزلة.

وبين هذين درجات متفاوتة ومنازل مختلفة بحسب اختلاف الأعمال وتفاوتها.

وفي هذا الحديث بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن شر الناس منزلة يوم القيامة من تركه الناس ووادعوه وفارقوه وسالموه لا لأنه لا خير فيه ولا منفعة ترجى من ورائه. بل اتقاء شره وحذر ضره وبغيه، فهم لا يأمنون إذا كاشفوه بحاله، أو نصحوه ليرعوي عن ظلمه أو جالسوه وخالطوه أو قابلوا سيئه بالسيئة. لا يأمنون أن يرميهم بالمقذعات «٤» ويدبر لهم المكيدات التي تضرهم في نفوسهم أو أعراضهم وأموالهم أو مناصبهم ومراكزهم، فهو أفاك «٥» أثيم، مجرم شرير؛ لا يتحامى «٦» منكرا، ولا يجافي مأثما،


(١) رواه البخاري في كتاب: الأدب، باب: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفاحشا (٦٠٣٢) . ورواه مسلم في كتاب: البر والصلة، باب: مداراة من يتقي فحشه (٦٥٣٩) . ورواه أبو داود في كتاب: الأدب، باب: في حسن العشرة (٤٧٩١) . ورواه الترمذي في كتاب: البر والصلة، باب: ما جاء في المداراة (١٩٩٦) .
(٢) سورة الأحقاف، الآية: ١٩.
(٣) أحطّهم: أحقرهم وأصغرهم.
(٤) المقذعات: الشتائم المستقبحة.
(٥) أفّاك: أفك فلان: كذب وافترى وخدع.
(٦) يتحامى: يتجنب.

<<  <   >  >>