للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[اللغة:]

يقال: أسلم فلان فلانا إذا ألقاه إلي الهلكة، ولم يحمه من عدوه. وهو عام في كل من أسلمته إلى شيء لكن غلب على الإلقاء في الهلكة. والكربة: الغم الذي يأخذ بالنفس. وتفريجها: كفها وإزالتها.

[الشرح:]

المراد بإخوّة المسلم للمسلم توثق العلاقة بينهم كتوثقها بين إخوة النسب توثقا يترتب عليه المحبة والمودة، والمواساة والنصر. وجلب كل خير ودفع كل ضر، ومن مقتضى الأخوة أنه لا يظلمه ولا يسلمه، وظلمه انتقاص حقه في نفسه أو ماله أو عرضه؛ طيبا أو فاسقا؛ فالظلم باطلاقه محرم؛ وقد نهى عنه القرآن في مواضع كثيرة، وفيه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الظلم ظلمات يوم القيامة» - رواه الشيخان «١» - وإسلامه خذلانه وتركه لعدوه ينكل به، أو يقضي عليه؛ وإذا كان الإنسان يحمي أعضاءه مما يضرها فليحم أخاه المسلم الذي اعتبره الشارع كعضو منه فلينصره ظالما أو مظلوما؛ ونصره ظالما منعه من ظلمه.

وقوله: ومن كان في حاجة أخيه إلخ حث على السعي في مصالح الناس سواء كانت مصالح مالية؛ أو علمية، أو أدبية؛ وقد دلت هذه العبارة على أن الوقت الذي ينفقه الإنسان في قضاء مصالح لغيره لا يضيع عليه؛ بل القدير العليم الذي بيده خزائن السموات والأرض يسعى في قضاء حاجاته، فهو إن بذل للإنسان قليلا نال به من الله خيرا كثيرا، فليستعن المرء على قضاء حاجته بقضاء حاجات الناس، وهذا المعنى يدخل في عموم قوله تعالى: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ «٢» ، وكذلك ما بعده؛ وقوله: «ومن فرج عن مسلم كربة» إلخ، حض على السعي في دفع البلايا التي تحل بالمسلمين في الحياة الدنيا؛ فمن أصابته مسغبة بذلت له من مالك أو حثثت الأغنياء على معونته؛ ومن بلي بالعطلة سعيت له في عمل، ومن حاق به ظلم ظالم رفعت عنه الظلم ما وجدت لذلك سبيلا، ومن انتابه مرض داويته؛ أو أحضرت له طبيبا؛ وعلى


- ورواه البخاري في كتاب: المظالم، باب: لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه (٢٤٤٢) . ورواه أبو داود في كتاب: الأدب، باب: المؤاخاة (٤٨٩٣) . ورواه الترمذي في كتاب: الحدود، باب: ما جاء في الستر على المسلم (١٤٢٦) .
(١) رواه البخاري في كتاب: المظالم، باب: الظلم ظلمات يوم القيامة (٢٤٤٧) . ورواه مسلم في كتاب: الأدب، البر والصلة والآداب، باب: تحريم الظلم (٦٥٢٠) .
(٢) سورة محمد، الآية: ٧.

<<  <   >  >>