للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في الشجار، ويفصل في النزاع، فقال لهم: «إنما أنا بشر مثلكم» ، إمتثالا لأمر ربه قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا «١» فلا علم لي بالغيب ولا ببواطن الأمور كما يزعم الجاهلون إلا ما يوحي إليّ ربي من آي القرآن وأمور التشريع، وأما الوقوف على دخائل النفوس وخفايا الأمور فأنا وسائر الناس فيه سواء لنا ما ظهر وإلى الله ما بطن، فإذا حضر مجلسي الخصوم لأفصل بينهم في نزاع قائم فربما كان بعضهم أشد بيانا من بعض، وأقوى تأثيرا، وأقوم قيلا، وأقدر على صوغ الحجج. وتوضيح المشتبه. وجلاء الغامض. لذرابة «٢» لسان وقوة بيان. وطول مران. وحدة ذهن.

وسرعة بديهة والآخر دونه في ذلك، فلا يحسن البيان والخصام. والحوار والدفاع.

وقد يكون الحق في جانبه والصدق في قوله ولكن عيه وضعفه ستر معالم حقه. وبيان الأول وبلاغته جلى دعواه، وألبسها ثوب الحقيقة. وقد تكون دعوى باطلة، وقضية مزوّرة، فيغلب على ظني، ويقع في نفسي صدق من علا بيانه وقوي حجاجه «٣» ، وهو في الباطن كاذب، فأقضي له بما ادعى، فمن قضيت له بحق أخيه في الإنسانية مسلما أو ذميا، معاهدا أو حربيا- فذكر المسلم من باب التهييج لالتزام الحق فإنما أقضي له بقطعة من نار إذ كان في الواقع حق غيره لا حقه، فهو معذب به لا محالة، فإن رآه الآن مالا ونفعا فسيراه في الآخرة نارا ولهبا، فإن شاء فليأخذ ما حكمت به، وإن شاء فليترك، فإن أخذ فالنار موعده، وإن ترك فلعل الله مسامحه فالأمر هنا للتهديد مثله في قوله تعالى: وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ» «٤» .

والحديث كما ترى أصل كبير في المحاماة والقضاء، وتبين لك المهم من أحكامه:

١- المحاماة عن الباطل إثم كبير.

وفي ذلك يقول القرآن: وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً.

ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا

«٥»


(١) سورة الإسراء، الآية: ٩٣.
(٢) لذرابة لسان، لسان ذرب: حاد، يقال: ذرب لسانه: إذا كان شتاما فاحشا لا يبالي ما قال.
(٣) حجاجة: المراد به البرهان الواضح.
(٤) سورة الكهف، الآية: ٢٩.
(٥) سورة النساء، الآيات: ١٠٧- ١٠٩.

<<  <   >  >>