للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معسرا قال لفتّيانه تجاوزوا عنه لعلّ الله أن يتجاوز عنّا فتجاوز الله عنه» . [رواه البخاري «١» ] .

[الشرح:]

التجاوز عن المعسرين وتفريج كرب المكروبين من أعظم الأعمال مثوبة، وأكثرها عند الله أجرا، وعند الناس حمدا وشكرا.

ولقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه» «٢» .

وقال صلى الله عليه وسلم: «من فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة» «٣» ، وقد يأتي على المرء شدّة ومسغبة «٤» يضيق بها واسع رحابه، وتمسك بتلابيبه وتصبح الدنيا أمامه كسم الخياط، يودّ الخلاص منها بأي ثمن وإن غلا، ويودّ أن لو ابتلعته الأرض، لديون تراكمت، وأزمات به حلت لم تبق على رطب ولا يابس، ولا صامت من ماله ولا ناطق.

فإذا ما أنقذه دائنه مما هو فيه وحط عنه بعض دينه أو تجاوز له عما شغلت به ذمته. كان كمن ردّت إليه الحياة وقد كادت تزهق «٥» ، أو انتشل من براثن «٦» الهلاك وقد أوشك أن يغرق، وناهيك إذا كان المتجاوز تاجرا شأنه البيع والشراء للربح والكسب، فهو جدّ حريص على زيادة ماله. وإنما ثروته، وتقليب تجارته في الأسواق يبتغي المال الوفير، والربح الكثير، فإذا ما وضع عن غريمه بعض ما عليه دل ذلك على إخلاصه وسلامة نفسه من الشح ورغبته في الخير وابتغاء الأجر؛ فلا غرو أن يتجاوز الله عن سيئاته ويحط من أوزاره ويعفو برحمته عن هفواته «٧» وهو الغفور الرحيم.


(١) رواه البخاري في كتاب: البيوع، باب: من أنظر معسرا (٢٠٧٨) .
(٢) رواه مسلم في كتاب: المساقاة، باب: فضل إنظار المعسر (٣٩٧٦) .
(٣) تقدم تخريجه ص ٥٤.
(٤) المسغبة: المجاعة.
(٥) تزهق: خرجت.
(٦) براثن: البرثن: مخلب السبع أو الطائر الجارح، ج براثن (٩/ ٤٦) .
(٧) الهفوة: السقطة والزلة.

<<  <   >  >>