للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صدقات بني سليم، فلمّا جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وحاسبه قال: هذا الّذي لكم وهذه هديّة أهديت لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فهلّا جلست في بيت أبيك وبيت أمّك حتى تأتيك هديّتك إن كنت صادقا» ، ثمّ قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب النّاس وحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: «أمّا بعد فإني أستعمل رجالا منكم على أمور ممّا ولّاني الله فيأتي أحدكم فيقول هذا لكم وهذه هديّة أهديت لي، فهلّا جلس في بيت أبيه وبيت أمّه حتى تأتيه هديّته إن كان صادقا، فوالله لا يأخذ أحدكم منها شيئا بغير حقّه إلّا جاء الله يحمله يوم القيامة، فلأعرفنّ أحدا منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر. ثمّ رفع يديه حتى رؤي بياض إبطيه- ألا هل بلّغت» . [رواه البخاري ومسلم «١» بروايات مختلفة] .

[اللغة:]

الرغاء: صوت البعير والخوار؛ صوت البقرة أو الثور- واليعار: صوت الشاة.

[الشرح:]

يضرب الرسول صلوات الله وسلامه عليه من نفسه مثلا للولاة والخلفاء في محاسبة عمالهم ومرؤوسيهم، على ما ولوهم عليه، فلا يناموا عنهم ولا يتركوهم يجمعون الثروات. ويبتزون «٢» أموال الرعية. متخذين من سلطانهم أداة لذلك، ويسلطون أذنابهم وأتباعهم يظلمون الناس في جباية الأموال منهم بغير حق وإرهاقهم، ويتخذون منهم ومن بيوتهم وسطاء ومدخرات لجلب الإتاوات «٣» لهم، كما هو الشأن في بعض الحكام في جميع الأمم، ترى الواحد يتولى إمارة مقاطعة «٤» أو ولاية وهو رقيق الحال، يكاد يكون من المعدمين الذين يحل إعطاؤهم من الزكاة، فلا يلبث عاما أو عامين حتى يعود أبجر «٥» الحقيبة، مكتنز


(١) رواه البخاري في كتاب: الأحكام، باب: هدايا العمال (٧١٧٤) . ورواه مسلم في كتاب: الإمارة، باب: تحريم هدايا العمال (٤٧١٧) .
(٢) يبتزون: بزّ قرينه: سلبه.
(٣) الإتاوات: الإتاوة: الجزية والخراج وما يؤخذ كرها.
(٤) مقاطعة: الامتناع عن معاملة الآخرين اقتصاديا واجتماعيا وفق نظام جماعي مرسوم.
(٥) أبجر: بجر بجرا: انتفخ جوفه ومنه بجرت حقيبته.

<<  <   >  >>