للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصدق، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يهدي إلى البر، ويرشد إلى التوسع في الخير، ذلك أنه منبت الفضائل، وجذع شجرتها، ومتفرع غصونها. وهل الإيمان بالله. والتصديق برسله ووحيه. إلا شعبة من الصدق؛ فالصادق موفق للخيرات، مقيم للمبرات «١» ، والبر طريق الجنة، بل مفتاحها الذي لا تفتح بغيره: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ. عَلَى الْأَرائِكِ- الأسرة- يَنْظُرُونَ. تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ- بهجه ورونقه- يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ- شراب خالص- مَخْتُومٍ. خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ «٢» .

وقد بين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث مسألة من أهم مسائل الأخلاق وهي طريقة تربية الخلق وتكوينه. وتقويته في النفس وتثبيته. وجعله في صف الطبائع. ذلك أن يتحرى الإنسان القول الجميل. أو الصنع المجيد، ويعمله المرة بعد المرة، والرابعة تلو الثالثة، والسادسة بعد الخامسة، حتى يؤثر في نفسه أثرا، ويتخذ منها مجرى، يزداد تعمقا كلما تابع العمل. فإذا بذلك الأثر الخلق والفضيلة، التي تصدر عنها الأعمال الطيبة بسهولة، فمن رغب أن يكون الصدق شيمته «٣» وخلقه، وديدنه وطبعه، فليتحر الصدق في أقواله وأعماله. وليتابع ذلك، فإذا بالصدق خلقه، وإذا به الصدّيق. ومن رغب أن يكون الشجاع المقدام، والبطل المغوار «٤» ، فليخض غمار «٥» الشدائد كلما دعته، وليناضل الخطوب «٦» كلما داهمته، فإذا بالشجاعة خلقه. ومن أراد نفسه على الكرم فليبذل من ماله كلما أهاب به داعي الإحسان فإذا به الجواد الكريم.

ومعنى كتابة الله من تحري الصدق وتعوده صديقا ضبط ذلك في سجله وحسابه في زمرة الصديقين. وإعلان ذلك في الملأ الأعلى. فرحا به. ورفعا لذكره والوحي إلى قلوب العباد بذلك ليحترموه ويجلوه. ويوقّروه ويكبروه.


(١) للمبرات: برّ فلان ربه: توسع في طاعته فهو بار.
(٢) سورة المطففين، الآيات: ٢٢- ٢٦.
(٣) شميته: الشّمية: الخلق ج شيم.
(٤) المغوار: من الرجال: المقاتل الكثير الغارات على أعدائه.
(٥) غمار: ج الغمرة: الشدة.
(٦) الخطوب: ج الخطب: الأمر الشديد يكثر فيه التخاطب.

<<  <   >  >>