للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليسوا من الغنى في شيء، وإن غني النفس مطمئن القلب. هادىء البال. لا يلحف «١» في سؤال. ولا يحرص على مال. ولا تذهب نفسه حسرة إذا فاتته صفقة «٢» أو ضاعت عليه فرصة. بل ما جاءه رضي به وقنع. وأنفق منه على نفسه وأهله. وبر الناس بعفوه وفضله. وهو من الناس ملك مبجل «٣» . وأمير موقر. وعظيم معزز. إذ لم ينزل بهم حاجته ولم يملك الحرص عليه منته، والحاجة مذلة، والحرص معرة. فإن كان إلى غنى النفس غنى المال. فتلك الدرجة العلياء. والعزة القعساء «٤» .

أما من كثر ماله. وتشعبت أملاكه. وقلبه موزع بين ضيعته وعمارته. وذهبه وفضته وفرسه وبقرته. ليس له همّ إلا جمع المال. يحرص عليه أشد الحرص، ويتميز «٥» غيظا إذا فاته القرش، ويتمنى كل ما في أيدي الناس إلى ما في يده. بل يحسدهم على ما رزقوا من نعمة. يخشى عدوى الفقر إن مدت يده إلى فقير بدرهم.

ويحسب الجائحة «٦» أن يتبرع لعمل خيري بيسير من وفره. ولم يبق ما يمتع فيه نفسه بثروته أو يقوم بواجبه لولده وزوجته. وقرابته وعشيرته ذلك هو الفقير حقا، المحروم صدقا.

ومن ينفق الساعات في جمع ماله ... مخافة فقر فالذي فعل الفقر

وهل يكون غنيا من نفسه لما في أيدي الناس متطلعة. وليست بما في يدها راضية قانعة؟ هل يكون غنيا من هذا الحرص من قوته. وأعل من صحته. ومنعه التكالب «٧» أن يروي نفسه من منهل العلم؛ ويغذّيها بلبان الحكمة؟

هل يكون غنيا من تبغي نفسه طعاما شهيا، أو ثمرا جنيا، أو لباسا رفيعا. فيأبى عليه حبه للمال. وشغفه بكنزه. إجابتها إلى طلبتها وتحقيق رغبتها؟ هل يكون غنيا من أولاده في بؤس؛ وأهله في ضنك يعيشون في أحضان الثروة ولكن من التمتع بها


(١) يلحف: يلح بالمسألة وهو مستغن عنها.
(٢) صفقة: البيعة.
(٣) مبجّل: معظّم موقرّ.
(٤) القعساء: ممتنعة ثابتة.
(٥) يتميز: يتقطع.
(٦) الجائحة: المصيبة تحلّ بالرجل في ماله.
(٧) التكالب: تكالب على الشيء. تواثب كما تفعل الكلاب.

<<  <   >  >>