للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنهم من يرغب في ذات الحسب العالي والعدد الكثير يتخذ منهم عصبة ويعتز بهم عن قلة ويقوى عن ضعف.

ومنهم من يرغب في ذات الجمال البارع يمتع بمنظرها نفسه ويستروح بها «١» قلبه.

ومنهم من يرغب في ذات الدّين الحصان، يأمن بدينها أن يثلم شرفه، أو تزل قدمها في مهواة المعاصي والشرور، إن غاب حفظت غيبه، وإن حضر لم تقع عينه منها على ما يكره وكل له وجهة، يدفعه إلى الاختيار ما يرى أنه الجدير بالطلب أو يحقق رغباته ويسد نهماته «٢» ؛ فلا يزال يسعى وراء بغيته ويدأب للحصول على طلبته، لا يرضى بديلا عما رسمه لنفسه ولا يقنع بغير ما يرى أن سعادته في العثور عليها وتحصيلها حتى ينال أمنيته ويقنع ما تيسر له؛ غير أن الرسول عليه الصلاة والسلام اختار من بين هؤلاء الجديرة بالبحث والطلب القمينة «٣» بأن تقتني وتدخر وتكون شريكة الرجل في حياته، تلك هي ذات الدين؛ إذا وجدت لا ينبغي العدول عنها، لأنها ضجيعة الرجل وأم أولاده، وأمينته على ماله وسره وشرفه، فدينها يجعل الرجل مطمئنا يفضي إليها بذات نفسه ويطلعها على مكنون أمره، وتكون الحفيظة على ماله ومنزله، المربّية أولاده على التقوى والصلاح فهو بها سعيد وهي به سعيدة.

أما ذات المال التي لم تعتصم بالدّين ولم تتحل بالتقوى فقلما يدوم له صفاؤها ويساس «٤» قيادها وترعي حقوقه، وتكون له البارة المطيعة، وإنما تعتز عليه بمالها وتفخر بثرائها، ترى أن لها من غناها ما يجعلها النافذة الكلمة المطاعة الأمر، ذات الحرية المطلقة فيخرج من يده زمامها؛ ويفلت من حكمته وطاعته قيادها وتكون البلية عظمى إذا كان دونها في الثروة أو كان هو معدما، هنا تكون هي السيدة وهو المسود، هي الآمرة وهو المطيع، هي المالكة لأمره وتسيّره كما تحب وتهوى، فينقلب الأمر وتعظم المصيبة كما هو مشاهد بين ظهرانينا مما تئن منه الحياة الزوجية ويهدم في


(١) يستروح: يريح ويفرح ويرضى.
(٢) نهماته: حاجاته وشهواته.
(٣) القمينة: الجديرة.
(٤) يساس: ساس الأمر: دبّره وقام بإصلاحه.

<<  <   >  >>