للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدل به على ذم كثرة السؤال والتعمق في المسائل إذا كان على وجه التعنت والتكلف، أما إذا كان على وجه التعلم والتعليم لما يحتاج إليه من أمر الدّين أو الدنيا فذلك جائز بل مأمور به لقوله تعالى: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ «١» .

أضف إلى هذا أن كثرة السؤال عما لا يعني مضيعة للوقت واشتغال بما هو عبث وداعية إلى الاختلاف والمجادلة بالباطل.

ومثل ذلك كثرة التفريع على مسائل لا أصل لها من الكتاب ولا السنة ولا الإجماع فيصرف فيها زمان كان صرفه في غيرها أولى.

ومن ذلك البحث عن أمور مغيبة ورد الشرع بالإيمان بها مع ترك البحث عن حقيقتها. وعما لم يثبت فيه دليل صحيح كالسؤال عن وقت الساعة وعن الروح، وعن مدة هذه الأمة إلى غير ذلك مما لا يعرف إلا بالنقل ويوقع التعمق فيه في الشك والحيرة؛ وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال الناس يتسائلون حتى يقال هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله» «٢» .

وضابط القول في ذلك.

أن المذموم من البحث والسؤال هو الإكثار فيما لا يأتي بفائدة: وتفريع المسائل وتوليدها لا سيما فيما يقل وقوعه أو يندر، وبخاصة إذا كان الحامل على ذلك المباهاة والمبالغة. وكذا إغلاق باب البحث والمناقشة حتى يفوت الإنسان كثير من الأحكام التي يحتاج إليها في حياته.

أما إمعان النظر والبحث في كتاب الله تعالى والمحافظة على ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الذين شاهدوا التنزيل وعرفوا السنة وما دلت عليه فإن ذلك محمود نافع مطلوب، وهو الذي كان عليه عمل الفقهاء من التابعين، أما من جاء بعدهم، فقد كثر بينهم الجدال والمراء «٣» وتولدت الشحناء والبغضاء، وهم أهل دين واحد حتى


(١) سورة الأنبياء، الآية: ٧.
(٢) رواه البخاري في كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: ما يكره من كثرة السؤال ومن تكلف ما لا يعنيه و ... (٧٢٩٦) . ورواه مسلم في كتاب: الإيمان، باب: في الأمر بالإيمان (٣٤١) .
(٣) المراء: ما راه مراء: ناظره وجادله.

<<  <   >  >>