للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة» «١» يريد بذلك صغرها.

وكحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا، فيموت إلا مات ميتة جاهلية» «٢» .

وكحديث عبادة بن الصامت قال: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا- في حال النشاط والكراهة- وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا- استئثار بحظ دنيوي- وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا- جهارا- عندكم من الله فيه برهان «٣» . روى هذه الأحاديث الثلاثة البخاري، فيجب تقييد الإطلاق فيها بالآية السابقة وبحديثنا الذي نشرحه، وبحديث معاذ الذي رواه أحمد: «لا طاعة لمن لم يطع الله» «٤» . وأحاديث أخرى تحرّم علينا طاعتهم في المعصية، ويدل لتقييد حديث أنس حديث أم الحصين عند مسلم:

«اسمعوا وأطيعوا ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله» «٥» ، والمكروه الذي أمرنا بالصبر عليه في حديث ابن عباس ما شق على نفوسنا، ولم يكن معصية الله والرسول، فإن كان معصية فالنهي عن المنكر واجب، ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة، فلا نثير الفتن ونبدد «٦» شمل الأمة، ونعرّض دماءها وأموالها ومصالحها للضياع إذا أمكننا إزالة المنكر بالحسنى والمسالمة. وكذلك إذا كان ضرر المنكر دون الضرر المترتب على الإنكار.

وأما حديث عبادة الذي فيه: ألا ننازع الأمر أهله إلا أن نرى كفرا بواحا فالمراد بالكفر هنا المعصية، وكل معصية للخالق جحود بنعمته.


(١) رواه البخاري في كتاب: الأحكام، باب: السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية (٧١٤٢) .
(٢) رواه البخاري في كتاب: الأحكام، باب: السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية (٧١٤٣) .
(٣) رواه البخاري في كتاب: الفتن، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «سترون من بعدي أمورا تنكرونها» (٧٠٥٥ و ٧٠٥٦) . ورواه مسلم في كتاب: الإمارة، باب: وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية (٤٧٤٨) .
(٤) رواه أحمد (٣/ ٢١٣) .
(٥) رواه مسلم في كتاب: الإمارة، باب: وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية (٤٧٣٥) .
(٦) نبدّد: بدّد: فرّق.

<<  <   >  >>