للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٩٥ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ «قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ»

ــ

قَوْلُهُ (قَامَ فِينَا إِلَخْ) أَيْ قَامَ خَطِيبًا فِينَا مُذَكِّرًا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَوْلُهُ فِينَا وَبِخَمْسِ كَلِمَاتٍ مُتَرَادِفَانْ أَوْ مُتَدَاخِلَانِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِينَا مُتَعَلِّقًا بِقَامَ عَلَى تَضْمِينِ مَعْنَى خَطَبَ وَبِخَمْسِ حَالٌ أَيْ خَطَبَ قَائِمًا مُذَكِّرًا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ وَالْقِيَامُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِخَمْسِ مُتَعَلِّقًا بِقَامَ وَفِينَا بَيَانٌ وَالْقِيَامُ عَلَى هَذَا مِنْ قَامَ بِالْأَمْرِ شَمَّرَ وَتَجَلَّدَ لَهُ أَيْ تَشَمَّرَ بِحِفْظِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ وَكَانَ السَّامِعُ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ قَالَ فِي حَقِّهَا كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ قُلْتُ وَفِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ لَوْ جَعَلَ فِينَا مُتَعَلِّقًا بِقَامَ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ أَيْ قَامَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فِي حَقِّنَا وَلِأَجْلِ انْتِفَاعِنَا كَانَ صَحِيحًا وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْمَعْنَى قَامَ فِيمَا بَيْنَنَا بِتَبْلِيغِ خَمْسِ كَلِمَاتٍ أَيْ بِسَبَبِهِ فَالْجَارَانِ مُتَعَلِّقَانِ بِالْقِيَامِ وَهُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَذَلِكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقِيَامَ مِنْ قَامَ بِالْأَمْرِ وَتَجْعَلَ فِينَا بَيَانًا مُتَعَلِّقًا بِهِ أَيْضًا قَوْلُهُ (بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ) أَيْ بِخَمْسِ فُصُولٍ وَالْكَلِمَةُ لُغَةً تُطْلَقُ عَلَى الْجُمْلَةِ الْمُرَكَّبَةِ الْمُفِيدَةِ (لَا يَنَامُ) إِذِ النَّوْمُ لِاسْتِرَاحَةِ الْقُوَى وَالْحَوَاسِّ وَهِيَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَيْ لَا يَصِحُّ وَلَا يَسْتَقِيمُ لَهُ النَّوْمُ فَالْكَلِمَةُ الْأُولَى دَالَّةٌ عَلَى عَدَمِ صُدُورِ النَّوْمِ وَالثَّانِيَةُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى اسْتِحَالَتِهِ عَلَيْهِ تَعَالَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الصُّدُورِ اسْتِحَالَتُهُ فَلِذَلِكَ ذُكِرَتِ الْكَلِمَةُ الثَّانِيَةُ بَعْدَ الْأُولَى قَوْلُهُ (يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ) قِيلَ أُرِيدَ بِالْقِسْطِ الْمِيزَانُ وَسُمِّيَ الْمِيزَانُ قِسْطًا لِأَنَّهُ يَقَعُ بِهِ الْمُعَادَلَةُ فِي الْقِسْمَةِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُ الْمِيزَانَ وَيَخْفِضُهُ وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ مِيزَانَ أَعْمَالِ الْعِبَادِ الْمُرْتَفِعَةِ إِلَيْهِ وَأَرْزَاقِهِمُ النَّازِلَةِ مِنْ عِنْدِهِ كَمَا يَرْفَعُ الْوَزَّانُ يَدَهُ وَيَخْفِضُهَا عِنْدَ الْوَزْنِ فَهُوَ تَمْثِيلٌ وَتَصْوِيرٌ لِمَا يُقَدِّرُ اللَّهُ تَعَالَى وَيُنَزِّلُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: ٢٩] أَيْ أَنَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَ خَلْقِهِ بِمِيزَانِ الْعَدْلِ فَأَمْرُهُ كَأَمْرِ الْوَزَّانِ الَّذِي يَزِنُ فَيَخْفِضُ يَدَهُ وَيَرْفَعُهَا وَهَذَا الْمَعْنَى أَنْسَبُ بِمَا قَبْلَهُ كَأَنَّهُ قِيلَ كَيْفَ كَانَ يَجُوزُ عَلَيْهِ النَّوْمُ وَهُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ أَبَدًا فِي مُلْكِهِ بِمِيزَانِ الْعَدْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>