وَقِيلَ أُرِيدُ بِالْقِسْطِ الرِّزْقُ لِأَنَّهُ قِسْطُ كُلِّ مَخْلُوقٍ أَيْ نَصِيبُهُ وَخَفْضُهُ تَقْلِيلُهُ وَرَفْعُهُ تَكْثِيرُهُ قَوْلُهُ (يُرْفَعُ إِلَيْهِ) أَيْ لِلْعَرْضِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ هُوَ تَعَالَى أَعْلَمَ بِهِ لِيَأْمُرَ الْمَلَائِكَةَ بِإِمْضَاءِ مَا قَضَى لِفَاعِلِهِ جَزَاءً لَهُ عَلَى فِعْلِهِ وَيَرْفَعُ أَيْ خَزَائِنَهُ لِيَحْفَظَ إِلَى يَوْمِ الْجَزَاءِ قَوْلُهُ (قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ الْعَبْدُ فِي عَمَلِ اللَّيْلِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ الْعَمَلُ بِاللَّيْلِ وَالْأَوَّلُ أَبْلَغُ لِمَا فِيهِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى مُسَارَعَةِ الْكِرَامِ الْكَتَبَةِ إِلَى رَفْعِ الْأَعْمَالِ وَسُرْعَةِ عُرُوجِهِمْ إِلَى مَا فَوْقَ السَّمَوَاتِ قَوْلُهُ (حِجَابُهُ) الْحِجَابُ هُوَ الْحَائِلُ بَيْنَ الرَّائِي وَالْمَرْئِيِّ وَالْمُرَادُ هَاهُنَا هُوَ الْمَانِعُ لِلْخَلْقِ عَنْ إِبْصَارِهِ فِي دَارِ الْفَنَاءِ وَالْكَلَامُ فِي دَارِ الْبَقَاءِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ الرُّؤْيَةِ فِي الْآخِرَةِ وَكَذَا لَا يَرِدُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَانِعٌ عَنِ الْإِدْرَاكِ فَكَيْفَ قِيلَ حِجَابُهُ النُّورُ يُرِيدُ أَنَّ حِجَابَهُ عَلَى خِلَافِ الْحُجُبِ الْمَعْهُودَةِ فَهُوَ مُحْتَجِبٌ عَلَى الْخَلْقِ بِأَنْوَارِ عِزِّهِ وَجَلَالِهِ وَسَعَةِ عَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْحِجَابُ الَّذِي تُدْهَشُ دُونَهُ الْعُقُولُ وَتَذْهَبُ الْأَبْصَارُ وَتَتَحَيَّرُ الْبَصَائِرُ قَوْلُهُ (لَوْ كَشَفَ ذَلِكَ الْحِجَابَ) وَتَجَلَّى لِمَا وَرَاءَهُ مَا تَجَلَّى مِنْ حَقَائِقِ الصِّفَاتِ وَعَظَمَةِ الذَّاتِ لَمْ يَبْقَ مَخْلُوقٌ إِلَّا احْتَرَقَ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ لَوْ كَشَفَهُ أيْ رَفَعَهُ وَأَزَالَهُ هَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَشْفِ الْحِجَابِ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ بَعْضٍ أَنَّ الْمُرَادَ لَوْ أَظْهَرَهُ لَاحْتَرَقَ قَوْلُهُ (سُبُحَاتُ وَجْهِهِ) السُّبُحَاتُ أَيْ بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ سُبْحَةٍ كَغُرْفَةٍ وَغُرُفَاتٍ وَفَسَّرَ سُبُحَاتُ الْوَجْهِ بِجَلَالَتِهِ وَقِيلَ مَحَاسِنُهُ لِأَنَّكَ إِذَا رَأَيْتَ الْوَجْهَ الْحَسَنَ قُلْتَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَقِيلَ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّحْقِيقِ إِنَّهَا الْأَنْوَارُ الَّتِي إِذَا رَآهَا الرَّاءُونَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ سَبَّحُوا وَهَلَّلُوا لِمَا يَرُوعُهُمْ مِنْ جَلَالِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ قُلْتُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يُفِيدُ أَنَّ سُبُحَاتِ الْوَجْهِ لَا تَظْهَرُ لِأَحَدٍ وَإِلَّا لَاحْتَرَقَتِ الْمَخْلُوقَاتُ فَكَيْفَ يُقَالُ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ يَرَوْنَهَا فَلْيُتَأَمَّلْ قَوْلُهُ (مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ) أَيْ كُلُّ مَخْلُوقٍ انْتَهَى إِلَى ذَلِكَ الْمَخْلُوقِ بَصَرُهُ تَعَالَى وَمَعْلُومٌ أَنَّ بَصَرَهُ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ مَعَ وُجُودِ الْحِجَابِ فَكَيْفَ إِذَا كُشِفَ فَهَذَا كِنَايَةٌ عَنْ هَلَاكِ الْمَخْلُوقَاتِ أَجْمَعَ وَقِيلَ الْمُرَادُ مَا انْتَهَى بَصَرُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَيْ كُلُّ مَنْ يَرَاهُ يَهْلَكُ فَكَأَنَّهُمْ رَاعُوا أَنَّ الْحِجَابَ مَانِعٌ عَنْ أَبْصَارِهِمْ فَعِنْدَ الرَّفْعِ يَنْبَغِي أَنْ يَعْتَبِرَ أَبْصَارَهُمْ وَإِلَّا فَإِبْصَارُهُ تَعَالَى دَائِمٌ فَلْيُتَأَمَّلْ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْبَصَرِ النُّورُ وَالْمَعْنَى أَيْ كُلُّ مَخْلُوقٍ انْتَهَى إِلَى ذَلِكَ نُورُهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute