فإن جفا النوم وهو واصل ... فكلّ شملٍ له افتراق
أو غاض دمعي وكان سائل ... فالنيل يعتاده احتراق
من لفتىً ساهر المآقي ... قد ذلّ في طاعة الهوى
يشكو إلى الله ما يلاقي ... من التّباريح والجوى
قد بلغت روحه التراقي ... مذ بعدت شقّة النوى
صبٌّ لثقل الغرام حامل ... وحمل ذيّاك لا يطاق
راح لكأس الفراق ناهل ... وكاسه مرة المذاق وقال أيضاً:
زمان شبابي كنت خير زمان ... فلا زلت مشكوراً بكلّ لسان
فلله كم جرّرت ذيل بطالتي ... وأطلقت للّذّات فيك عناني
وقد كنت سباقاً إلى غاية الصّبا ... مجيباً إذا داعي المجون دعاني
أقبل ثغر الكأس أبيض واضحاً ... وألثم خدّ الراح أحمر قاني
ألا خلياني والتصابي فإنني ... أرى في التّصابي غير ما تريان
سأملأ من طيب العذار مفارقي ... وأخضب من صرف الكؤوس بناني وقال أيضاً:
أرامة للآرام كنت مراتعا ... فمالك للعشاق صرت مصارعا
فأين غصونٌ كنّ فيك موائساً ... وأين بدور كنّ فيك طوالعا
وقفنا لتوديع الحمول عشيةً ... نبث صباباتٍ ونذري مدامعا
وعدنا وما بلّ الوداع غليلنا ... ولا بردت منّا الدموع الأضالعا
سألتكما ما ضرّ حادي ركابهم ... لو احتبس الأظعان أو كرّ راجعا
وماذا على المستودعين قلوبنا ... بحبلي زرود لو رددن الودائعا
تعرضن لي يوم الكثيب كأنما ... تعرض لي سربٌ من الرمل راتعا