للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويقال إنه عمل سيرة (١) للملك الظاهر، وأوصل نسبه بجنكزخان، فلما وقف عليه قال: هذا يصلح أن يكون وزيراً، اطلبوه، فطلبوه فبلغ الخبر الصاحب بهاء الدين ابن حنا، فسعى في القضية إلى أن أبطل ذلك، وناسى السلطان عليه، فبقي في القاهرة يركب كل يوم، ويقف في باب القرافة، ويمشي قدام الصاحب إلى أن يوصله إلى بيته، وافتقر حتى لم يبق له غير البغلة لركوبه، وكان له عبد يعمل بابا (٢) ويطعمه. وكان الشيخ بهاء الدين ابن النحاس يؤثره، والصاحب بهاء الدين لا يحنو عليه، حتى فاوضه الدوادار وقال له: إلى متى يبقى هذا على هذه الحالة؟ فجهز إلى دمشق على القضاء.

ولما كان بطالاً أمر له بدر الدين الخازن دار بألفي درهم ومائة إردب قمح فأبى من قبولها وقال: تجوع الحرة ولا تأكل بثديها، ولم يقبل وأصر على الامتناع مع الفاقة الشديدة (٣) .

وكان له ميل إلى بعض أولاد الملوك، وله فيه أشعار رائقة، يقال، إنه أول يوم زاره بسط له الطرحة، وقال له: ما عندي أعز من هذه، طأ عليها، ولما فشا أمرهما وعلم به أهله منعوه الركوب، فقال ابن خلكان:

يا سادتي إني قنعت وحقكم ... في حبّكم منكم بأيسر مطلب

إن لم تجودوا بالوصال تعطفاً ... ورأيتهم هجري وفرط تجنّبي

لا تمنعوا عيني القريحة أن ترى ... يوم الخميس جمالكم في الموكب

لو كنت تعلم يا حبيبي ما الذي ... ألقاه من كمدٍ إذا لم تركب

لرحمتني ورثيت لي من حالة ... لولاك لم يك حملها من مذهبي

ومن البليّة والرزيّة أنني ... أقضي وما تدري الذي قد حل بي

قسماً بوجهك وهو بدرٌ طالعٌ ... وبليل طرتك التي كالغيهب


(١) الوافي: تاريخاً.
(٢) كذلك هو في الوافي.
(٣) وكان كريماً ... الشديدة: لم يرد في المطبوعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>