الصايغ بعد سبع سنين به، وقدم من مصر، فدخل دخولاً لم يدخله غيره مثله من الحكام، وكان يوماً مشهوداً، وجلس في منصب حكمه، وتكلم الشعراء، فقال الشيخ رشيد الدين الفارقي:
أنت في الشام مثل يوسف في مص؟ ... ر وعندي أن الكرام جناس
ولكلٍّ سبعٌ شداد وبعد الس؟ ... بع عام فيه يغاث الناس ثاني وقال سعد الدين الفارقي:
أذقت الشام سبع سنين جدباً ... غداة هجرته هجراً جميلاً
فلمّا زرته من أرض مصرٍ ... مددت عليه من كفيك نيلا وقال نور الدين ابن مصعب:
رأيت أهل الشآم طرّاً ... ما فيهم قطّ غير راض
نالهم الخير بعد شرٍّ ... فالوقت بسطٌ بلا انقباض
وعوّضوا فرحةً بحزن ... مذ أنصف الدهر في التقاضي
وسرهم بعد طول غم ... قدوم قاض وعزل قاضي
فكلهم شاكرٌ وشاكٍ ... بحال مستقبلٍ وماض وكان كريماً ممدحاً فيه ستر وعفو وحلم، وحكاياته في ذلك مشهورة؛ ثم عزل بابن الصايغ، وبقي في يده الأمينية والنجيبية إلى أن مات رحمه الله، سادس رجب سنة إحدى وثمانين وستمائة بالنجيبية جوار النورية، وشيعه الخلايق، ودفن بسفح قاسيون.
وكان وجيه الدين ابن سويد صاحبه وكان يسومه قضاء أشغال كثيرة، ويقضيها فحضر في بعض الأيام ورام منه أمراً متعذراً فاعتذر، فقال وجيه الدين: ما يكون الصاحب صاحباً حتى يعرق جبينه مع صاحبه في جهنم، فقال له ابن خلكان: يا وجيه الدين، صرنا معك قشل مشل (١) وما ترضى.