له كل يوم ثوب وجد مجدد ... وصبر كما شاءت نواكم ممزق
أعاتب دهراً صرفه غير معتب ... أصرف فيه كنز عمري وأنفق
نأت بي ولم تسمع خطابي خطوبه ... فدام زفيري والحنين المؤرق
وبدلت عن تلك الظلال وطيبها ... منازل صافي العيش منها مرنق
أظل نجي الشوق لا نار لوعتي ... تبوح ولا شمل الأسى يتفرق
وكم ليلة شاب الفؤاد بطولها ... وما شاب للظلماء فود ومفرق
وإن غيبتني غشية توهم الكرى ... يواصل طيف الهم فيها ويطرق
ويمزج ماء النيل عند وروده ... بدمعي أشواق إليكم فأشرق
فيا ليت شعري هل تلوح لمقلتي ... منازل ظني باللقاء محقق
وهل شائم برق الثنية ناظري ... على القرب يخفى تارة ثم يخفق
وهل بارد من ماء باناس مبرد ... لظى كبد حرى لها الشوق محرق
وهل زمني بالصالحية عائد ... يبلغني أقصى المنى ويحقق
وهل يجمعني والأحبة موقف ... لنشكو جميعاً ما لقيت وما لقوا
وهل لي إلى باب البريد وقد نأى ... بريد به فيما يبلغ موثق
دمشق أذاقتني الليالي فراقها ... وقد كنت أخشى منه قدماً وأفرق
هي الغرض الأقصى ورؤيتها المنى ... وسكانها ودي لهم متوثق
ولو لم تكن ذات العماد لما غدت ... وليس لها مثل على الأرض يخلق
حنيني إليها ما حييت مرجع ... وقلبي أسير الشوق والدمع مطلق
عليها تحياتي غواد روائح ... بها الريح تجري والركائب تخفق
لجامعها المعمور بالذكر بهجة ... ومرأى يسر الناظرين ورونق
محاسنه بكر الزمان فصرفه ... علينا مدى الأيام حان ومشفق
به زجل التسبيح عال بهيجه ... حنين إلى ذاك الحمى وتشوق
وللعلم فيه والعبادة معلم ... جديد على أمر الجديدين مونق
وفيه لأرباب التلاوة لذة ... إذا أخذوا في شأنهم وتحلقوا