للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شعبان، فقال لي: الليلة تجي إلى الجامع تتفرج أو تخلو بنفسك؟ فقلت: أخلو بنفسي، فقال جيد، ولا تزال تصلي حتى أجي إليك، فخلوت بنفسي أصلي ساعة جيدة، فلما كنت في الصلاة إذا به قد أقبل، فلم أبطل الصلاة، وإذا قد خيل لي قبة عظيمة بين السماء والأرض، وظاهرها معارج ومراقي، والناس يصعدون فيها من الأرض إلى السماء، فصعدت معهم، فكنت أرى على كل مرقاة مكتوباً: نظر الخزانة، وعلى أخرى وأخرى وأخرى: وكالة بيت المال، التوقيع، المدرسة الفلانية، قضا حلب، فلما وصلت إلى هذه المرقاة أشفقت (١) من تلك الحالة، ورجعت إلى حسي، وبت ليلتي، فلما اجتمعت بالشيخ قال: كيف كانت ليلتك؟ جيت إليك وما قصرت لأنك ما اشتغلت بي، والقبة التي رأيتها هي الدنيا، والمراقي هي المراتب والوظايف (٢) والأرزاق، وهذا الذي رأيته كله تناله والله يا عبد الرحمن؛ كل شيء قد رأيته نلته، وكان آخر الكل قضا حلب، وقد قرب الأجل.

وكان الشيخ كمال الدين كثير التخيل شديد الاحتراز، يتوهم أشياء بعيدة ويبني عليها، وتعب بذلك وعودي وحسد وعمل عليه، ولطف الله به، رحمه الله.

ومن نظمه قصيدة يذكر فيها الكعبة المعظمة، ويمدح النبي صلى الله عليه وسلم:

أهواك يا ربة الأستار أهواك ... وإن تباعد عن مغناي مغناك

وأعمل العيس والأشواق ترشدني (٣) ... عسى يشاهد معناكي معناك

تهوي بها البيد لا تخشى الضلال وقد ... هدت ببرق الثنايا الغر مضناك


(١) الوافي: استفقت.
(٢) ص: والوضايف.
(٣) البدر السافر: تحملني.

<<  <  ج: ص:  >  >>