للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشام وحصل التأسف عليه، وقال الشيخ تقي الدين ابن تيمية لما بلغه وفاته: أحسن الله عزاء المسلمين فيك يا صدر الدين.

نشأ بدمشق وتفقه بوالده وبالشيخ شرف الدين المقدسي. وأخذ الأصول عن صفي الدين الهندي وسمع من القاسم الإربلي والمسلم بن علان وجماعة، وكان له عدة محفوظات، قيل إنه حفظ " المفصل " في مائة يوم ويوم، و " المقامات الحريرية " في خمسين يوماً، و " ديوان المتنبي " على ما قيل في جمعة واحدة، وكان من أذكياء زمانه، فصيحاً مناظراً، لم يكن أحد من الشافعية يقوم بمناظرة الشيخ تقي الدين ابن تيمية غيره، وتخرج به الأصحاب والطلبة، وكان بارعاً في العقليات. وأما الفقه وأصول الفقه فكانا قد بقيا له طباعاً لا يتكلفهما.

أفتى (١) ودرس وبعد صيته؛ ولي مشيخة دار الحديث الأشرفية سبع سنين وجرت له أمور وتنقلات، وكان مع اشتغاله يتنزه ويعاشر، ونادم الأفرم نائب دمشق، ثم توجه إلى مصر وأقام بها إلى أن عاد السلطان من الكرك سنة تسع وسبعمائة، فجاء بعد ما خلص من واقعة الجاشنكير، فإنه نسب إليه منها أشياء، وعزم الصاحب فخر الدين ابن الخليلي على القبض عليه تقرباً إلى خاطر السلطان، فلما أحس بذلك فر إلى السلطان على طريق البدرية ودخل على السلطان وهو بالرمل، فعفا عنه، وجاء إلى دمشق وتوجه إلى حلب وأقرأ بها ودرس وأقبل عليه الحلبيون إقبالاً زائداً، وعاشرهم، وكان محظوظاً (٢) ، لم يقع بينه وبين أحد من الكبار إلا وعاد من أحب الناس فيه.

وكان حسن الشكل تام الخلق حسن البزة حلو المجالسة طيب المفاكهة، وعنده كرم مفرط، كل ما يحصل له ينفقه بنفس متسعة ملوكية، وكان يتردد إلى الصلحاء ويلتمس دعاءهم ويطلب بركتهم.


(١) قال في البدر السافر: ((أفتى وهو ابن اثنتين وعشرين سنة)) .
(٢) الوافي والزركشي: محفوظاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>