للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان قليل الهجاء متحملا متوددا إلى الناس، حسن التعريض، واحتاج في آخر عمره إلى الاستجداء بغير شعر. وكان كثير التبذير لا تكاد خلته تستد أبدا ولا يغفل طلبه ولكن بأحسن الصور، وكان مسرفا على نفسه.

وله كتاب " فوائد الموائد " وعمل بعض الفضلاء عليه " علائم الولائم ". وجمع قطعة من شعره سماها " تقاطيف الجزار " (١) وهذه تسمية حسنة.

ولم يكن في عصره من يقاربه في جودة النظم غير السراج الوراق، وهو كان فارس تلك الحلبة ومنه أخذوا وعلى نمطه نسجوا ومن مادته استمدوا. وبينه وبين شعراء عصره مجاراة ومباراة أذكر منها شيئاً.

وقيل إنه لما كان صغيرا نظم أبياتا قلائل، وكان أديب ذلك الزمان ابن أبي الإصبع، فأخذه والده وتوجه به إليه وقال: يا سيدي، قد عمل هذا الولد شعرا وأشتهي أن يعرضه عليك، فقال: قل، فلما أنشده قال له: أحسنت والله إنك عوام مليح. فراح هو ووالده. وبعد أيام عمل والده طعاما وحمله إلى ابن أبي الإصبع فقال: لأي شيء فعلت هذا؟ قال: لشكرك لولدي، فقال: أنا ما شكرته، قال: ألم تقل له أحسنت، إنك عوام مليح؟ فقال: ما أردت بذلك إلا أنه خرج من بحر ودخل في بحر، فاستحيا هو ووالده. ثم لم يزل يتهذب حتى فاق أهل عصره وصار من فحول المتأخرين.

وقيل إنه اجتمع هو وأصحابه وأرادوا النزهة، فأخرجوا من بينهم دراهم وأخذوا منها عشرة دراهم وجاءوا إلى جزار في باب زويلة، فوقفوا عليه وقالوا له: أتدري من هذا الواقف عليك؟ قال: لا، قالوا: هذا الشيخ جمال الدين أبو الحسين الجزار أديب الديار المصرية وإمامها، فباس الجزار السكين وقدمها لأبي الحسين وقال: يا سيدي والله ما يدخل يقطع هذا اللحم


(١) المغرب: تقطيف الجزار، وقال إنه طرزه باسم الصاحب الكبير العالم كمال الدين بن أبي جرادة؛ وكذلك ورد اسم الكتاب عند الزركشي.

<<  <  ج: ص:  >  >>