للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان الناصر سمحاً جواداً حليماً حسن الأخلاق محبباً إلى الرعية، فيه عدل وصفح ومحبة للفضلاء والأدباء، وكان سوق الشعر نافقة في أيامه، وكان يذبح في مطبخه كل يوم أربعمائة راس غنم سوى الدجاج والطيور والأجدية. وكان يبيع الغلمان من سماطه شي كثير عند باب القلعة بدمشق بأرخص الأثمان من المآكل الفاخرة.

حكى علاء الدين بان نصر الله أن الناصر جاء إلى داره بغتة؛ قال: فمددت له شيئاً كثيراً في الوقت بالدجاج المحشي بالسكر والفستق وغيره، فقال: كيف تهيأ لك هذا؟ فقلت: هو من نعمتك، اشترتيه من باب القلعة. وكانت نفقته في كل يوم أكثر من عشرين ألف درهم.

وكان يحاضر الأدباء والفضلاء، وعلى ذهنه كثير من الشعر والأدب، وله نوادر ونظم، وحسن ظن بالصالحين. وبني بدمشق مدرسة جوا باب الفراديس، وبالجبل رباطاً، وبنى الخان عند المدرسة الزنجيلية (١) . وبلغه عن بعض الفقراء من الأجناد أنه تسمح في حقه فأحضره ليؤدبه، فلما رأى وجله رق له وأرم له بذهب وصرفه ولم يؤاخذه. وكانت تمر له الأيام الكثيرة يجلس فيها من أول النهار إلى نصف الليل يوقع على الأوراق ويصل الأرزاق، وقيل إنه خلع في أقل من سنة أكثر من عشرين ألف خلعة.

وكانوا الفرنج قد ضمنوا له أخذ الديار المصرية على أن يسلم إليهم القدس وبلاد أخر، ودار الأمر على أن تعطى لهم أو للمصريين، فبذل ذلك للمصريين اتباعاً لرضى الله عز وجل، وقال: والله لا لقيت الله تعالى وفي صحيفتي إخراج القدس عن المسلمين. ولما بعد عن خزائنه احتاج إلى قرض أرهن أملاكه وضرب أواني الذهب والفضة، وقيل له في أخذ القابض (٢) من الأوقاف،


(١) يقال لها أيضاً الزنجارية، كانت خارج باب توما، تنسب إلى فخر الدين عثمان بن الزنجيلي، أنشئت في سنة ٦٢٦ (الدارس ١: ٥٢٦) .
(٢) كذا ولعلها: الفائض.

<<  <  ج: ص:  >  >>