للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وساقوا إلى الدهليز، فبايع الأمير فارس الدين أتابك للملك الظاهر وحلف له، ثم الرشيدي ثم الأمراء، وركب معه الأتابك وبيسري وقلاون وجماعة من خواصه، ودخل قلعة الجبل سابع عشر ذي القعدة سنة ثمان وخمسين، وجلس في إيوان القلعة، وكتب إلى الأشرف صاحب حمص، وإلى المنصور صاحب حماة، وإلى مظفر الدين صاحب صهيون، وإلى الإسماعيلية، وإلى علاء الدين ابن صاحب الموصل نائب حلب، وإلى من بالشام، يعرفهم ما جرى، وأفرج على من في الحبوس من أصحاب الجرائم. وأقر الصاحب زين الدين ابن الزبير على الوزارة؛ وكان قد تلقب بالملك القاهر، فقال له الصاحب زين الدين: ما لقب أحد بالملك القاهر فأفلح، لقب به القاهر ابن المعتضد، فلم تطل أيامه ثم خلع وسمل عينيه، ولقب به الملك القاهر ابن صاحب الموصل فسم ولم تطل أيامه. فأبطل ولقب بالظاهر. وزاد إقطاعات من رأى استحقاقه من الأمراء وخلع عليهم، وسير أقوش المحمدي بتواقيع الأمير علم الدين الحلبي فوجده قد تسلطن بدمشق، فشرع الظاهر في استفساد من عنده، فخرجوا عليه ونزعوه من السلطنة، وتوجه إلى بلعبك فأحضروه منها وتوجهوا به إلى مصر؛ وصفا الملك بالشام للملك الظاهر وضبط الأمور وساس الملك أتم سياسة، وفتح الفتوحات وباشر الحروب بنفسه.

وكان جباراً في الأسفار والحصارات والحروب، وخافه الأعادي من التتار والفرنج وغيرهم، لأنه روعهم بالغارات والكبسات، وخاض الفرات بنفسه فألقت العساكر بأنفسها خلفه، ووقع على التتار فقتل منهم مقتلة عظيمة وأسر مائتي نفس، وفي ذلك قال محيي الدين ابن عبد الظاهر:

تجمّع جيش الشرك من كل فرقة ... وظنوا بأنا لا نطيق لهم غلبا

وجاءوا إلى شاطي الفرات وما دروا ... بأن جياد الخيل تقطعها وثبا

وجاءت جنود الله في العدد التي ... تميس لها الأبطال يوم الوغى عجبا

فعمنا بسدٍّ من حديدٍ سباحةً ... إليهم، فما اسطاع العدو له نقبا

<<  <  ج: ص:  >  >>