للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فرمى بها إلى شعر الزنج، فأخذها وهو يظن أنه قد رق له، وإذا هو قد كتب بالأسود تحت كل سطر:

نصدّ عنكم صدود المبغضين (١) لكم ... فلا تردّوا إلينا بعدها كلما

وما بنا الناس لو أنّا نريدكم ... فاصبر فؤادك أو مت هكذا ألما فاشتعلت نيران شعر الزنج وتضاعف وجده، ثم ظن أن الغلام يستوضع حرفته بالوقادة فتركها وصار ناطوراً يحفظ البساتين، وقصد بساتين التفاح التي لا يوجد في بغداد أكثر منها تفاحاً، فأتى إلى صاحب له ومعه تفاح كثير وقال: أحب أن تهدي هذا التفاح إلى الغلام، وتعمد المكتوب (٢) منه، فنظر وإذا هو قد كتب على بعضه ببياض لما كان في شجره، من جملتها تفاحة حمراء مكتوب عليها ببياض:

جودوا لمن هيّمه ... حبكم فهاما

وصار ضوء يومه ... من حزنه ظلاما وكتب على أخرى:

مهجة نفسك أتتك مرتاحه ... تشكو هواها بلفظ تفاحه فأهدى ذلك التفاح إليه، فلما قرأ ما عليه قام وقد خجل، وصار شعر الزنج يختار أكبر التفاح ويكتب عليه الشعر، ويحتال بصنوف الحيل في إيصاله إلى الغلام.

قال الحاكي: فإني يوماً لجالس أنا والغلام إذ اجتاز بنا بائع فاكهة جل ما معه تفاح، فأجلسه الغلام وابتاع منه التفاح بما أراد دون مماكسة، وسر الغلام برخص التفاح، وجعل يقلبه ويعجب من حسنه، وإذا هو بتفاحة صفراء مكتوب عليها بالأحمر:

تفاحة تخبر عن مهجة ... أذابها الهجر وأضناها


(١) ص: المغضبين.
(٢) ص: المكتوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>