ومن شعر جمال الدين المذكور، ما كتبه إلى الشيخ صلاح الدين الصفدي وهو بالديار المصرية:
ذكرت قلبي حين شط مزارهم ... بهم فناب عن الهوى تذكارهم
وبكى فؤادي وهو منزل حبهم ... وأحق من تبكي الأحبة دارهم
وبجلق الجفن الهمول كأنما ... لمحته عند مرورهم أنوارهم
تذري الدموع عليهم وكأنهم ... زهر الربى وكأنها أمطارهم
وبكين من حالي العواذل رحمةً ... لما بكيت وما الأنين شعارهم
ويح المحبين الذين بودهم ... قرب المزار ولو نأت أقطارهم
فقدوا خليلهم الحبيب فأذكيت ... بالشوق ما بين الأضالع نارهم
مولىً تقلص ظل أنسٍ منه عن ... أصحابه فاستوحشت أفكارهم
كم راقهم يوماً برؤية وجهه ... ما لا يروقهم له دينارهم
ولكم بدت أسماعهم في حليةٍ ... من لفظه وكذا غدت أبصارهم
كانوا بصحبته اللذيذة رتعاً ... بمسرةٍ ملئت بها أعشارهم
يتنافسون على دنو مزاره ... وكأنما بلقاه كان فخارهم
لا غيب الرحمن رؤية وجهه ... عن عاشقيه فإنها أوطارهم
وجلا ظلام بلادهم من نوره ... فلقد تساوى ليلهم ونهارهم فكتب الشيخ صلاح الدين إليه الجواب:
أفدي الذين إذا تناءت دارهم ... أدناهم من دارهم تذكارهم
في جلق الفيحاء منزلهم وفي ... مصرٍ بقلب الصب تضرم نارهم
قوم بذكرهم الندامى أعرضوا ... عن كأسهم وكفتهم أخبارهم
وإذا الثناء على محاسنهم أتى ... طربوا له وتعطلت أوتارهم
وإذا هم نظروا بحسن وجوههم ... لم تبق أنجمهم ولا أقمارهم
فهم النجوم إذا ادلهم ظلامهم ... وهم الشموس إذا استنار نهارهم