ترى سكرت عطفاه من خمر ريقه ... فمالت به أم من كؤوس رحيقه
مليح يغير الغصن عند اهتزازه ... ويخجل بدر التم عند شروقه
فما فيه شيء ناقص غير خصره ... ولا فيه شيء بارد غير ريقه
ولا ما يسوء النفس غير نفاره ... ولا ما يروغ القلب غير عقوقه
عجبت له يبدي القساوة عندما ... يقابلني من خده بريقه
ويلطف بي من بعد إعمال لحظه ... وكيف يرد السهم بعد مروقه
يقولون لي والبدر في الأفق مشرق ... بذا أنت صب؟ قلت بل بشقيقه
فلا تنكروا قتلي بدقة خصره ... فإن جليل الخطب دون دقيقه
وليلة عاطاني المدام ووجهه ... يرينا صبوح الشرب حال غبوقه
بكأسٍ حكاها ثغره في ابتسامه ... بما ضمه من دره وعقيقه
لقد نلت إذ نادمته من حديثه ... من السكر ما لا نلته من عتيقه
فلم أدر من أي الثلاثة سكرتي ... أمن لحظه أم لفظه أم رحيقه
لقد بعته قلبي بخلوة ساعةٍ ... فأصبح حقاً ثابتاً من حقوقه
وأصبحت ندماناً على خسر صفقتي ... كذا من يبيع الشيء في غير سوقه وقال أيضاً (١) :
غيري بحبل سواكم يتمسك ... وأنا الذي بترابكم أتمسك
أضع الخدود على ممر نعالكم ... فكأنني بترابها أتبرك
ولقد بذلت النفس إلا أنني ... خادعتكم وبذلت ما لا أملك
شرطي بأن حشاشتي رق لكم ... والشرط في كل المذاهب أملك
قد ذقت حبكم فأصبح مهلكي ... ومن المطاعم ما يذاق فيهلك
لا تعجلوا قبل اللقاء بقتلتي ... وصلوا فذلك فائت يستدرك
ولقد بكيت لدهشتي بقدومكم ... وضحكت قبل وهجركم لي مهلك
(١) الديوان: ٣٩٦.