للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشيخ صلاح الدين الصفدي، حكى لي فتح الدين ابن سيد الناس قال: جاء كريم الدين إلى الأمير علم الدين الجاولي وقال: قد جيت إليك فقال: ما في يدي لك فرج، ولكن للسلطان مملوك يقال له طغاي الكبير، وهو لا يخالفه، فأريد أجتمع به وأعرفك ما يكون، ثم اجتمع به فقال: أحضره، وقام دخل على السلطان وهو يضحك وقال له: إن حضر كريم الدين إيش تعطيني؟ ففرح وقال: عندك هو؟ أحضره، فخرج وقال للأمير علم الدين: أحضره، فأحضره، فقال له: مهما قال لك السلطان قول نعم، ودعني أنا أدبر أمرك، ودخل به عليه، فلما رآه استشاط غيظاً وقال له: احمل الساعة ألف ألف دينار فقال: نعم، وخرج، فقال: لا، كثير، احمل خمسمائة ألف دينار، فقال: السمع والطاعة، فقال: لا، كثير، احمل ثلثمائة ألف دينار، فقال: السمع والطاعة، وخرج، فقال له سيف الدين طغاي: لا تسقع دقنك وتحضر الجميع، ولكن هات الآن منها عشرة آلاف دينار، فأتى بها ودخل بها على السلطان، فسكن غضبه، وبقي كل يومين وثلاثة يحمل ثلاثة آلاف دينار ورمة ألفين ومرة ألفاً، ولم يزل طغاي والقاضي فخر الدين ناظر الجيش يصلحان أمره حتى رضي عنه السلطان وولاه ناظر الخاص (١) ، وهو أول من باشر هذه الوظيفة ولم تكن تعرف أولاً، ثم تقدم عنده وأحبه محبة لم يحبها الآخر مثله، وكان يخلع عليه أطلس أبيض، والفوقاني بطرز، والتحتاني بطرز، والقبع (٢) زركش على ما استفاض، وكانت الخزاين جميعها عنده في بيته، وإذا أراد السلطان شيء نزل إليه مملوك إلى بيته واستدعى منه ما يريده فيجهزه، وكان يخلع على أمراء الطبلخانات الكبار من عنده.

وقيل إن السلطان نزل يوماً من الصيد وقال له: يا قاضي كريم الدين، اعرض أنت صيود الأمراء فإن لي ضرورة، ودخل الدهليز، ووقف القاضي كريم الدين


(١) ناظر الخاص هو الذي ينظر في خاص أموال السلطان (صبح الأعشى ٥: ٤٦٥ وما بعدها) .
(٢) القبع والجمع أقباع: غطاء الرأس (ملحق دوزي) .

<<  <  ج: ص:  >  >>