للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرابة؛ يا أمير المؤمنين إنك خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته، وأمينه على عترته، لك عليها فرض الطاعة وأداء النصيحة، ولها عليك العدل في حكمها والتثبت في حادثها، فقال الرشيد: هذا قمامة كاتبك يخبر بفساد نيتك وسوء سيرتك، ثم أمر بإحضاره، وقال له الرشيد: تكلم غير خائف ولا هائب، فقال: أقول: إنه عازم على الغدر بك يا أمير المؤمنين والخلاف عليك، فقال عبد الملك: وكيف لا يكذب علي من خلفي من يبهتني في وجهي؟ فقال الرشيد: فهذا عبد الرحمن ابنك يقول بقول كاتبك ويخبر عن سوء ضميرك وفساد نيتك، وأنت لو أردت أن تحتج بحجة لم تجد أعدل من هذين فقال: يا أمير المؤمنين، عبد الرحمن بين مأمورٍ أو عاق، فإن كان مأموراً فمعذور، وغن كان عاقاً فهو عدو أخبر الله بعداوته وحذر منها فقال جل ثناؤه في محكم كتابه: " إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم " فنهض الرشيد فقال: أما أمرك فقد وضح، ولكن لا أعجل حتى أعلم ما الذي يرضي الله فيك فإنه الحكم بيني وبينك، فقال عبد الملك: رضيت الله حكماً وبأمير المؤمنين حاكماً، فإني أعلم أنه يؤثر كتاب الله على هواه، وأمر الله على رضاه.

ثم إنه دخل عليه في مجلس آخر وسلم فلم يرد عليه الرشيد، فلم يزل يعتذر ويحتج لنفسه بالبراءة حتى اقبل عليه بوجهه وقال: ما أظن الأمر إلا كما قلت يا أبا عبد الرحمن، فأنت محسد، وأمير المؤمنين يعلم أنك على سريرة صالحة غير مدخولة ولا خسيسة. ثم دعا عبد الملك بشربة ماء، فقال له الرشيد: ما شرابك يا أبا عبد الرحمن؟ فقال: سحيق الطبرزد بماء الرمان، فقال: بخ بخ عضوان لطيفان يذهبان الظمأ ويلذان المذاق، فقال عبد الملك: صفتك لهما يا أمير المؤمنين ألذ من فعلهما.

ثم إن الرشيد تنكر له بعد ذلك فحبسه عند الفضل بن الربيع، ولم يزل محبوساً حتى توفي الرشيد، فأطلقه الأمين وعقد له بالشام، وجعل للأمين

<<  <  ج: ص:  >  >>