للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنت تكون قاعداً عندي وذاك واقف.

وحكي أنه كان يوماً بالمرج يقرأ على تنكز كتاب بريد جاء من السلطان، والمماليك قد رموا جلمة على عصفور، فاشتغل تنكز بالنظر إليها، فبطل شرف الدين القراءة وأمسكه وقال: يا خوند إذا قرأت عليك كتاب السلطان اجعل بالك كله مني، ويكون ذهنك عندي، لا تشتغل بغيري أبداً، وافهمه لفظة لفظة.

وما رأى أحد ما رآه من التعظيم في النفوس؛ وكان في مبدأ أمره يلبس القماش الفاخر ويأكل الأطعمة الشهية ويعمل السماعات، ويعاشر الفضلاء مثل بدر الدين بن مالك وابن الظهير وغيرهم (١) ، ثم انسلخ من ذلك كله لما داخل الدولة، وقتر (٣) على نفسه واختصر في ملبسه وانجمع عن الناس انجماعاً كلياً، ولما مات خلف نعمة طائلة.

وكان الملك الناصر قد نقله من مصر إلى الشام عوضاً عن أخيه محيي الدين؛ لأن السلطان كان قد وعى القاضي علاء الدين ابن الأثير لما كان معه بالكرك بالمنصب، فأقام بدمشق إلى سنة سبع عشرة (٣) وسبعمائة، وتوفي في رمضان رحمه الله تعالى.

ورثاه شهاب الدين محمود وهو بمصر وكتب بها إلى القاضي محيي الدين أخيه:

لتبك المعالي والنهى الشرف الأعلى ... وتبكي الورى الإحسان والحلم والفضلا

وتنتحب الدنيا لمن لم تجد له ... وإن جهدت في حسن أوصافه مثلا

ومن أتعب الناس اتباع طريقه ... فكفوا وأعيتهم طريقته المثلى

لقد أثكل الأيام حتى تجهمت ... وإن كانت الأيام لا تعرف الثكلا

وفارق منه الدست صدراً معظماً ... رحيباً يرد الحزن تدبيره سهلا


(١) كذا في ص ر.
(٣) ر ص: عشر.
(٣) ر ص: عشر.

<<  <  ج: ص:  >  >>