للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فرحل الرجل إلى الشام وقصد الرجل وانتسب له في عدنان فأكرمه، وبقي عنده أياماً (١) ، فقال لجارية عفراء: هل لك في يد تولينيها؟ قالت: وما هي؟ قال: هذا الخاتم تدفعينه (٢) إلى مولاتك، فأبت عليه، فعرفها وقال: اطرحي هذا الخاتم في صبوحها فإن أنكرته قولي: إن ضيفك اصطبح قبلك، ووقع من يده، فلما فعلت الجارية ذلك عرفت عفراء الخبر، فقالت لزوجها: إن ضيفك ابن عمي، فجمع بينهما وخرج وتركهما وأوقف من يسمع ما يقولانه، فتشاكيا وتباكيا طويلاً، ثم أتته بشراب وسألته أن يشربه فقال: والله ما دخل جوفي حرام قط ولا ارتكبته وأنت حظي من الدنيا، وقد ذهبت مني وذهبت منك فما أعيش بعدك، وقد أجمل هذا الرجل الكريم وأنا مستحي منه ولا أقيم بمكانه بعد علمه بي، وإني لأعلم أني أرحل إلى منيتي، ثم بكى ويكت، وجاء زوجها فأخبره الخادم بما جرى بينهما فقال لها: يا عفراء امنعي ابن عمك من الرحيل، قالت: لا يمتنع، فدعاه وقال: يا أخي اتق الله في نفسك فقد عرفت خبرك، وإن رحلت تلفت، ووالله ما أمنعك من الاجتماع بها أبداً، وإن شئت فارقتها، فجزاه خيراً وقال: كان الطمع فيها آفتي، والآن فقد صبرت نفسي ويئست منها، واليأس يسلي، ولي أمور ولا بد من الرجوع إليها، فإن وجدت بي قوة لذلك، وإلا عدت إليكم وزرتكم حتى يقضي الله في أمري ما يشاء، فزوده وأكرموه، وأعطته عفراء خماراً لها، فلما سار عنها نكس بعد صلاحه وأصابه غشي وخفقان، وكان كلما أغمي عليه ألقى عليه غلامه ذلك الخمار فيفيق، فلقيه في الطريق ابن مكحول عراف اليمامة، فجلس عنده وسأله عما به، وهل هو خبل أم جنون؟ فقال له عروة: ألك علم بالأوجاع؟ قال: نعم، فأنشأ عروة يقول (٣) :

أقول لعراف اليمامة داوني ... فإنك إن داويتني لطبيب


(١) ص: أيام.
(٢) ص: تدفعيه.
(٣) ديوانه: ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>