دمشق صبياً ونشأ بها، وذكر هو أنه من قوم يعرفون ببني قرقر، وكانت أمه دمشقية من ذرية الأمير قرواش بن المسيب العقيلي، وكان خاله صاحب دكان في الصاغة؛ توفي والده وهو صغير، ونشأ في حجر عمه، وتعلم صناعة العتابي وبرع فيها حتى فاق الأقران، ثم صحب الشيخ أبا علي المغربل خادم الشيخ رسلان.
قال الحافظ سيف الدين ابن المجد: علي الحريري وطئ أرض الجبل ولم يمكنه المقام به، والحمد لله، كان من أفتن شيء وأضره على الإسلام، تظهر منه الزندقة والاستهزاء بأوامر الشرع ونواهيه، بلغني من الثقات عنه أشياء يستعظم ذكرها من الزندقة والجرأة على الله تعالى، وكان مستخفاً بأمر الصلاة وانتهاك الحرمات.
ثم قال: حدثني رجل أن شخصاً دخل الحمام، فرأى الحريري في الحمام ومعه صبيان حسان بلا ميازر، فجاء إليه وقال: ما هذا؟ فقال: كأن ليس سوى هذا، وأشار إلى أحدهم: تمدد على وجهك، فتمدد، فتركه الرجل وخرج هارباً مما رأى.
قال الشيخ شمس الدين: رأيت جزءاً (١) من كلامه من جملته: إذا دخل مريدي بلد الروم فتنصر وأكل لحم الخنزير وشرب الخمر كان في شغلي. وسأله رجل: أي الطرقات أقرب إلى الله حتى أسير فيه؟ فقال له: اترك السير وقد وصلت، وهذا مثل قول العفيف التلمساني:
فلسوف تعلم أن سيرك لم يكن ... إلا إليك إذا بلغت المنزلا وقال لأصحابه: بايعوني على أن نموت يهود ونحشر إلى النار حتى لا يصاحبني أحد لعلة؛ وقال: ما يحسن بالفقير أن ينهزم من شيء، وإذا خاف من شيء قصده؛ وقال: لو قدم علي من قتل ولدي وهو بذلك طيب كنت أطيب منه.