للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به، ورق قلبي له، ووالله العظيم لا خرجت من عندك حتى توليه وظيفته، وتكتب تقليده وتكبت عدوه فقال: هذا ما يمكن، وما لي عادة إذا عزلت أحداً أعود إليه، فقال: والله ما أخرج حتى توليه، وإن لم تسمع مني لا عدت أكلمك أبداً، فلم يزل حتى ولاه من ساعته، وكتب تقليده وأشهد عليه بذلك، فقال: وتعطيه عمامتك وفرجيتك خلعة عليه، فلم يمكنه مخالفته، ثم قال: وتكتب له عن الصدقات خمسمائة درهم، ففعل ذلك جميعه، وأتى إلى منزله فأخذ ثوباً ودلقاً له ووضع الجميع في بقجة وأتى إليه وهو ينتظره، فحين رآه قال له: إيش قال لك ابن غانم؟ فأخرج التوقيع، وكان في ذهنه أن يسعى له في الجلوس بين الشهود، فلما قرأ التوقيع كاد يموت فرحاً، ثم أعطاه العمامة والفرجية والخمسمائة وقال: هذا من قاضي القضاة، وهذا الدلق والغلالة مني، فأكب على يديه يقبلهما، فلم يمكنه وقال: أنا والله ما عملت معك هذا إلا لله تعالى، فابتهل بالدعاء له.

وله من هذا وأشباهه ما لا يكاد ينضبط، ولو بسطت مناقبه لطال الفصل " (١) .

وكان وقوراً مليح الهيبة منور الشيبة، ملازم الجماعة مطرح الكلف؛ حدث عن ابن عبد الدايم والزين خالد وابن النشبي وجماعة؛ وكان بيته رحمه الله تعالى مأوى كل غريب، وبابه مقصد كل ملهوف. وله النظم والنثر، ومدحه شعراء عصره؛ وكان آخر ما بقي من رؤساء دمشق.

كتب إلى العلامة شهاب الدين محمود:

لقد غبت عنا والذي غاب محسود ... وأنت على ما اخترت من ذاك محمود (٢)

حللنا محلاً بعد بعدك ممحلاً ... به كل شيء ما خلا الشر مفقود

به الباب مفتوح إلى كل شقوة ... ولكن به باب السعادة مسدود


(١) ما بين معقفين لم يرد في ر والزركشي، وهو في المطبوعة.
(٢) ر: مجهود.

<<  <  ج: ص:  >  >>