للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلى أفهامهم: فكل فعل (١) عظمه الشرع (٢) أو مدحه (٣) أو مدح فاعله (٤)، أو أحبه (٥)

(١) المقصود بالأفعال هنا: الأفعال الكسبية، وهي: الأفعال الصادرة عن اختيار المكلف، والمفضية إلى اجتلاب نفع أو دفع ضر.

أما الأفعال الجبلية، وهي الاضطرارية التي لا اختيار ولا كسب فيه للمكلَّف، فلا يتعلق بها تكليف. كالحركة والسكون.

قال العز ابن عبد السلام في كتابه الإمام (٧٧): «ثمَّ لا يتعلَّق طلب ولا تخيير إلا بفعل كسبي، ولا يمدح شيئاً من أفعال، ولا يذمه، ولا يمدح فاعله ولا يذمه، ولا يوبخ عليه ولا ينكره، ولا يعد عليه الثواب، ولا عقاب إلا أن يكون كسبياً، فإن علَّق شيء من ذلك بفعل جبلي كان متعلقاً بآثاره، كقوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ﴾ [النور: ٢]، وقوله : «إنَّ فيك لخصلتين يحبهما الله الحلم والأناة» ".

(٢) كقوله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: ١٠]، وإصعاد الشيء ورفعه دلالة على تعظيمه، ودلالة على مشروعية الفعل: الكلم الطيب، والعمل الصالح، وهذه المشروعية كما سيذكر المؤلف دائرة بين الوجوب والندب. ومن الأمثلة على التعظيم قوله تعالى: ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾ [المزمل: ٦]، وفيه دلالة على مشروعية قيام الليل.

(٣) أي: كل فعل مدحه الشارع فيدل مدحه على مشروعيته الدائرة بين الوجوب والندب، كقوله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: ٤٥]، وفيها مدح للصلاة بكونها تنهى عن الفحشاء والمنكر، فدلَّ على مشروعية الصلاة، وكقوله تعالى: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [التوبة: ٤١]، وفيها مدح للجهاد بأنه خيرٌ، فدلَّ على مشروعيته.

(٤) كقوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٤]، مدح المولى الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بأنهم من المفلحين، فذلَّ على مشروعية فعلهم، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكقوله في مدح الصابرين: ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ٤٤]، فدلَّ على مشروعية الصبر.

(٥) أي: أحب الفعل، كقوله : «إِنْ الله يحب أَنْ تُؤْتى رخصه كَمَا يجب أَنْ تُؤْتى عَزَائِمه» أخرجه أحمد (٢/ ١٠٨) وصححه الألباني كما في الإرواء (٣/ ١٠)، وفيه الندب إلى قصر الصلاة في السفر، وهو مذهب الجمهور، وَقَوله : (إِنَّك عَفْو تحب الْعَفو)، أَي: يحب أَنْ يعْفُو بَعْضنَا عَنْ بعض. والحديث أخرجه الترمذي (٣٥١٣)، وابن ماجة (٣٨٥٠) وصححه الألباني كما في السلسلة الصحيحة (٧/ ١٠٠٨).

<<  <   >  >>