فهو دليل المنع، ودلالته على التحريم أظهر من دلالته على مجرد الكراهة (١).
وتستفاد الإباحة من لفظ الإحلال (٢) ونفي الجناح (٣) والحرام (٤)
(١) قال العز (١٢٤ - ١٢٥): «وأصناف الْوَعيد كَثِيرَة كسواد الْوُجُوه وزرقة الْعُيُون والعبوس والبسور والذل وتنكيس الرؤوس وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ دلَالَة على مَا تَرَكْنَاهُ وكل مَا ذَكرْنَاهُ عَائِد إِلَى الذَّم أَوْ الْوَعيد وَلكنه نوع ترهيبا وتحذيرا وَإِذا تواردت هَذِه الدَّلَائِل على فعل دلّت على تأكده فِي بَابه وَكَذَلِكَ أَدِلَّة الْأَمر».
ومما ذكره العز ولم يذكره السيوطي: نصب الْفِعْل محبطا للْعَمَل الصَّالح، كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ﴾ [المائدة: ٥] ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى﴾ [البقرة: ٢٦٤].
ونفي ولَايَة الْفَاعِل ونصرته، كقوله تعالى: ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [البقرة: ١٢٠] وقوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ﴾ [هود: ٦٣]
والْغيرَة الشَّرْعِيَّة، كقوله ﷺ: «لَا أحد أغير من الله من أجل ذَلِك حرم الْفَوَاحِش مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن» أخرجه البخاري (٤٦٣٤)، ومسلم (٢٧٦٠).
والتعادي يوم القيامة، لأجل المحبة لغير الله، كقوله تعالى: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف: ٦٧].
(٢) مثال ذلك: إباحة الجماع في ليالي الصوم في رمضان، لقوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ [البقرة: ١٨٧] وكذا إباحة البيع لقوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ﴾ [البقرة: ٢٧٥]، وإباحة صيد البحر ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ﴾ [المائدة: ٩٦].
(٣) أي: تستفاد الإباحة من نفي الجناح عن الفعل، ومثال هذا الأسلوب: إباحة المتاجرة أثناء الحج، أخذاً من قوله: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨]، وكذا إباحة نكاح الربيبة إذا لم يدخل بأمها، حيث قال سبحانه في سياق بيان المحرمات: ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٢٣]، وإباحة فصال المولود قبل الحولين، وإباحة اتخاذ مرضعة للطفل ﴿فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: ٢٣٣].
(٤) أي: تستفاد الإباحة من نفي الحرج عن الفعل، ومثاله: إباحة ترك الجهاد والقعود عنه لذوي الأعذار: ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [التوبة: ٩١] ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [الفتح: ١٦ - ١٧].
ورد في بعض النسخ: «والحرام»، أي: نفي الحرام بدل نفي الحرج، ويمكن التمثيل له بقوله ﷺ عن الضب: (لا آكله ولا أحرمه) أخرجه البخاري (٥٢١٧)، ومسلم (١٩٤٥). وقال عن الجراد: (أكثر جنود الله، لا آكله ولا أحرمه) رواه أبو داود (٣٨١٣) مرسلاً، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (١٥٣٣). ومن الأساليب الدالة على الإباحة بطريق نفي الحرام: الاستثناء من الحرام، أو يقال: انتفاء تحريم غير المستثنى ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ﴾ [الأنعام: ١٤٥].